عبر رحلاته المكوكية داخل أروقة التاريخ والحضارات القديمة، وقع اختيار المصمم اللبناني خالد المصري على لعبة «سلاح الشيش» النبيلة ذات التاريخ العريق، لتكون التيمة الرئيسية لمجموعته الجديدة لربيع وصيف 2010، والتي قدمها ضمن «أسبوع الموضة في باريس» تحت عنوان: «المبارزة»، حيث ظهرت العارضات وهن يحملن السيوف ويرتدين الأقنعة والقفازات والبدلات البيضاء، التي زينها المصري بوحدات معدنية معتقة، بدت كلوحات من الموزاييك، فأدهش الحضور كعادته بجرأته وأفكاره الخارجة على المألوف، وما تحمله من رسائل وأبعاد ثقافية تحدد هويته وشخصيته الفريدة. «زهرة الخليج» التقت المصري الذي تحدث عن مجموعته الجديدة في هذا الحوار:
حدِّثنا عن عرضك الأخير والتيمة الأساسية الخاصة به. لماذا ركزت على اللون الأبيــــض والوحـدات البرونزية؟
مجمــوعتــــــي الأخـيـــــــرة، هــــي اســـتكمال وتطور لـخـــــــط اتخذته منـــــذ البــــداية، ومنحني شخصية محــددة وهويــــــة خــــاصـة. والمـشهد الأســـاســي للعرض ركز على رياضة «سلاح الشيش» العريقة، وذلك لاستخدم الماسك الشبيه بالبرقع الذي ترتديه المرأة الشرقية، وأيضاً لجذب الأنظار للتصاميم. وقد ركزت على اللون الأبيض لأنه لون البدلة الخاصة باللعبة، إلى جانب أنه لون صيفي والمجموعة خاصة بالصيف. كما أنه من أجمل الألوان التي تعكس جمال وحدات المعدن البرونزية التي اخترتها للمجموعة، حتى وإن كانت هناك ألوان أخرى مثل الأزرق والعاجي والزهري، كما أنني استخدمت الزخارف والمزركشات بطريقة تعكس سر المجموعة وأبعادها.
دائماً تحمل مجموعاتك تيمة واحدة مثل: «أبجد هوز» و«أم كلثوم» و«باريس - 1» و«الباشوات» و«الأزرق» و«الخط الأحمر» وغيرها، فماذا تقول عن ذلك؟
هذا لأني أعشق إبراز الهوية وكل ماهو جميل لدينا وأقدمه للعالم. أنا أحب العمل على تيمة واحدة توصل فكرة ما إلى الآخر عنا كعرب، أطورها وأقدمها بأكثر من أسلوب لدعم رسائل أمررها من خلال عملي. فالأزياء في نظري أكثر من فستان جميل ترتديه المرأة، إنما هي مزيج من الفن والثقافة والتاريخ والهوية. وعندما اخترت «أم كلثوم» أردت أن أقدم نموذجاً للمرأة العربية المثقفة الجميلة والمبدعة.
البداية
كيف كانت البداية, وما الذي دفعك إلى ترك الهندسة المعمارية التي درستها والاتجاه إلى عالم الأزياء؟
موهبتي وميولي إلى تصميم الأزياء ظهرا منذ الصغر. أما دراستي الهندسة فكانت إرضاءً لعائلتي. وعلى الرغم من ذلك، فقد أفادتني كثيراً، حيث منحتني زخماً وثقافة وخلفية متينة، انطلقت منها في عالم الأزياء. فبعد دراستي الهندسة في فلورنسا، تابعتها بدراسة تصميم الأزياء في معهد «مارلجوني» في ميلانو. ولأني حصلت على المركز الأول، اختاروني للعمل في معهد الإبداع، الخاص بالمصمم العالمي «جيانفرانكو فيري» لمدة عامين، ثم درست في باريس أيضاً لمدة عامين أجريت خلالهما بحثاً عن تاريخ الأزياء في كل الثقافات، وبعد ذلك كانت البداية من بيروت.
ما هي قصة اختيارك الخط التاريخي لطرح إبداعاتك؟
منذ البداية كان لدي وعي بأن يكون لدي خط مختلف يُظهر هويتي العربية بأسلوب يمزج بين الفن والابتكار والتجدد. اخترت كما يقولون السير عكس التيار الذي كان الجميع يسيرون فيه، حيث كان المصممون يقلدون ما يقدم في الغرب على طريقة الـ«كوبي». فقمت بعمل دراسة شاملة عن التراث والحضارات في جميع دول العالم، وكانت أولى مجموعاتي: «أبجد هوز» عن الخط العربي، وهي وجدت صدى رائعاً وكان العرض في بيروت، طرحت بعدها مجموعتي الثانية في باريس التي استوحيتها من الحقبة العباسية وأطلقت عليها «باريس1» وكان العرض لافتاً جداً وكتبت عنه معظم الصحف ومجلات الموضـــة العـالميـــة، كوني أول مصمم عربي له هوية، وأسلوب مختلف وغير غربي وفي الوقت نفسه ليس التقليدي القديم. بعدها، كرت السبحة وباتت عروضي في باريس تجد إقبالاً وصدى يسعدانني كثيراً.
الهوية والعمارة
تعرض دائماً في باريس، فماذا عن ميلانو ونيويورك؟
لأن باريس هي عاصمة الموضة تاريخياً ولازالت كذلك حتى الآن. حاولوا مع مدن أخرى مثل روما ونيويورك، ولم يستطع أحد أن يأخذ مكانتها، وكل مصممي الأزياء يذهبون إليها فهي رمز الموضة.
تدور تصاميمك في فلك التراث والتاريخ، فمن هي المرأة التي ترتديها؟
أولاً، تصاميمي ليست تراثية كما يقول البعض. فأنا لا أستوحي أو أطور التراث، بل اخترعت خطاً مرتبطاً بالهوية والعمارة وفن الموزاييك والمواد القديمة التي كانت تستخدم. وطرحت خطاً خاصاً بي، توجهت به إلى امرأة عالمية متعددة الثقافات. وذلك يكفيني فخراً لأني المصمم العربي الوحيد الذي تُعرض أعماله في متاحف عالمية. ذلك أن مجموعة «أم كلثوم» تُعرض في معهد العالم العربي في باريس ولدي تصميمين في متحف «غاليريا» أشهر متحف للموضة في العالم أيضاً في باريس.
ارتدت نجمات عالميات من تصاميم إيلي صعب وجورج شقرا، فمن هي النجمة التي ارتدت من تصاميمك أو تحب أن ترتدي منها؟
أكثر من نجمة ارتدين من تصاميمي، منهن كاترينا كازوتشي في «مهرجان كان» التي ارتدت من مجموعة «العين» وأحدَث فستانها ضجة كبيرة.
من في رأيك يضيف إلى الآخر النجمة أم المصمم؟
حسب مكانة النجمة. فإذا كانت نجمة عالمية مشهورة، فلاشك ستكون دعاية جيدة للمصمم، ولكن الحقيقة أن هذه المسألة ليست هاجساً بالنسبة إليَّ، لأني أصمم للجميع، ولي نخبة من الزبونات من الأميرات والشيخات وسيدات المجتمع وهن صورة رائعة لأعمالي.
تحديات
ما هي التحديات التي تواجهكم كمصممين عرب تعرضون في الخارج؟
التحديات تبدأ منذ اللحظة الأولــى، لكننـا اســــــــــتـطعـــــنــا، خــــاصة المصممين اللبنانيين، فرض أنفسنا في وقت ينهار فيه كبار المبدعين بسبب الأزمة الاقتصادية. وأبرز هذه التحديات يكمن في الاختيار السيئ لأوقات العرض. حيث يعطوننا أوقاتاً لا تسمح بحضور الجمهور والصحافيين. أيضاً بالنسبة إلى الإعلام، حيث علينا أن ندفع ليكتبوا عنا. لكن، والحمدالله فأنا خطي وأسلوبي يفرضان نفسيهما.
عالمي
ما هي مواصفات المصمم العالمي من وجهه نظرك؟
في الحقيقة إنه ليس لدينا جدية وخبرة في هذه المهنة، فكل شيء مباح وكثيرون يطلقون على أنفسهم صفة العالمية، على الرغم من أنها كلمة كبيرة تعني الخبرة الطويلة والمشوار الزاخر بالنجاحات. وهنا يمهني أن أشير إلى أن صحافة الموضة المحترفة في باريس تنقد عن وعي، بينما نحن نفتقد الناقد المحترف. الكل يصفق من دون نقد أو مواجهه وتُطلق الألقاب جزافاً.
هل تصنف نفسك مصمماً عالمياً؟
نعم، في الـ«هوت كوتور».
اتجه الكثير من المصممـــــــين إلــى الخيـــــاطة الجاهزة والمجوهرات والاكسسوارات وحتى التصاميم المنزلية، فماذا عنك؟
منذ عامين اتجهت إلى الخياطة الجاهزة، ولدي متجر خاص بها في باريس، وهي جزء من متجري في بيروت. وقريباً سأفتتح فرعاً خاصاً بها. فالخياطة الجاهزة تسجل الانتشار عالمياً، حيث تصل إلى أكبر شريحة من الزبونات، وهي تترجم نجاح أي مصمم. أما عن المجوهرات، فأنا أقدمها حسب الطلب، خاصة مع فساتين العروس. ولم أتجه إليها لأنها عالم قائم بذاته لا أملك الوقت الخاص به. في حين أن الاكسسوارات دائماً ترافق تصاميمي. أما التصاميم المنزلية، فحتى الآن هي مجرد استشارات أقدمها إلى زبوناتي ولم تصبح خطاً وإن كنت أخطط لذلك.
ماذ عن المشروعات المستقبلية الأخرى التي تخطط لها؟
أخطط للتوسع في الخياطة الجاهزة ولفتح فروع في دول أخرى، والمضي قُدماً في مشروع الديكورات المنزلية.