لا يمكننا في أي حال من الأحوال، أن نتعامل مع سميرة سعيد بإعتبارها مطربةً عاديةً. هي مطربة تعرف جيداً ماذا تريد وتحسب خطواتها بتأنٍ شديد. لم تتنازل عن المستوى الذي عوّدت جمهورها عليه. ويبدو أنّها لن تتنازل عنه أبداً وفق ما تقول أغنيتها الشهيرة "مش هتنازل عنك أبداً". لقد إختارت أن تقدّم فناً محترماً على مدار 25 سنة، ولو كلّفها ذلك جهداً وعناءً وتنازلات مادية. إلتقينا سميرة سعيد لنتحدث معها عن تجربة الإنتاج التي خاضتها أخيراً، على أمل التخلّص من قيود المنتجين الحديدية التي طالما خنقتها، وخنقت عدداً كبيراً من زملائها.
لماذا اخترتِ خوض مجال الإنتاج في الفترة الأخيرة بعد مرور 25 عاماً على تواجدك في الوسط الفني وتعاملك مع عدد كبير من شركات الإنتاج؟
إخترتُ أن أدخل الإنتاج حين وصلت حال الكاسيت في العالم العربي إلى مرحلة يُرثى لها واكتفى عدد كبير من شركات الإنتاج في مصر بالتوزيع، بينما فضّل بعضها الآخر أن يغلق أبوابه نهائياً. لم يتبق في مصر سوى شركات محدودة جداً، هي "روتانا" و"مزيكا" و"فري ميوزك". وأنا لا ألوم هذه الشركات لأني أعرف وضعها جيداً ولديها عذرها. فهي تهدف إلى الربح المادي الذي أصبح صعب المنال في ظل تردّي حال الكاسيت. لذا، قررت التوجّه إلى الإنتاج.
لكنّ هذه الخطوة قد تتسبب لك في خسارة مالية كبيرة؟
أعرف ذلك جيداً وأعرف أنّ دخول أي مطرب مجال الإنتاج هو خطوة خطيرة، يجب التفكير فيها جيداً قبل خوضها. لكنّ هذه الخطوة مهمّة بالنسبة إليّ، خصوصاً أنّ المنتجين صاروا يخشون التعامل معي في ظل الأوضاع المالية الحالية.
برأيك، لماذا يخشى المنتجون التعامل معك؟
لأنّ أغنياتي تكلّف ماديّاً وهذا أمر منطقي. فأنا أطلب مراراً من الشاعر والملحن إعادة تغيير الكلمات والألحان وإجراء تعديلات، وهو ما يكلّف مبالغَ مالية إضافية، لأنّ الأجور التي يحصل عليها الشعراء والملحّنون معي تختلف بالتأكيد عن تلك التي يتقاضونها مقابل تعاونهم مع مطربين آخرين، هذا بالإضافة إلى حرصي الشديد على عملي الذي يزيد من كلفته في الكثير من الأحيان.
لماذا أنهيتِ تعاقدك مع شركة "مزيكا"؟
في البداية، طالبني المنتج محسن جابر بخفض أجري، فوافقت. لكنّه عاد وطالبني بتكفّل مصاريف الدعاية، فرفضت لأنّني خفّضت أجري إلى النصف تقريباً. وبعدها، فوجئت به يخبرني بأنّ الدعاية يتكفّل بها المطرب، وإلا فالشركة ليست مسؤولةً عنها. واكتشفت أيضاً بأن المطربين يتكفّلون بالبوسترات الخاصة بألبوماتهم، وأنا لا أملك المال الكافي من أجل حملةٍ دعائية ضخمة للألبوم.
بمَ شعرت حين عرفتِ أنّ مطربي الجيل الجديد يتمتّعون بالإمكانات المادية التي تتيح لهم إطلاق حملة دعائية، بينما أنتِ لا تملكين هذه المبالغ على رغم أنّك متواجدة على الساحة منذ سنوات طويلة؟
لم أنزعج لأنّي أعرف جيداً أنّ كلاً منّا إختار طريقه: هم اختاروا إحياء الأمسيات، وحفلات الزفاف، والظهور في البرامج التلفزيونية، والمشاركة في تقديمها والتوجّه إلى السينما بغية زيادة أجرهم بينما أنا اخترتُ الغناء. علي تحمّل مسؤولية خياراتي.
لكنّ دخولك مجال الإنتاج قد يستنزف طاقتك الفنيّة كمطربة؟
هذا وارد، لأنّ مجال الإنتاج يعتمد على الحسابات المالية، بينما الغناء يعتمد على الحسابات الفنية. والإثنان يُفترض أنّهما متعارضان. لكن لا أملك أي خيار آخر سوى المجازفة. وحتى الآن، لم تصادفني أي عوائق لأنّي ما زلت في المراحل الأولى ولم أصل بعد إلى مرحلة الاستنزاف الفني. ما زلت أتعامل مع أصدقائي من الشعراء والملحّنين وأستمع إلى أغنياتهم وأنتقي منها ما يعجبني.
لكنك أنتجتِ قبلاً أغنية "الحب اللي أنا عايشاه" على نفقتك الخاصة.. ماذا أفادتكِ التجربة؟
إنتاج أغنية "سنغل" يختلف تماماً عن إنتاج ألبوم غنائي كامل مكوَّن من 14 أغنيةً أو أكثر. الأغنية الـ "سنغل" قد تنجح أو تفشل من دون أن يتعرّض المطرب للخسارة. لكن الألبوم الكامل تجربة متكاملة تحتمل النجاح والفشل، فأغنياته يتم تحميلها على مواقع الأغاني بمجرد نزول الألبوم إلى السوق، كما حدث معي حين أصدرت ألبومي "يوم ورا يوم". إذ إتصل بي عدد من أصدقائي في دول عربية وأوروبية بعد ساعات من نزوله، ليهنئوني عليه. وهو ما يعني بأنّهم إستمعوا إليه كاملاً على مواقع الأغاني. وعلى رغم أنّ هذا الأمر يحقّق الإنتشار والنجاح للمطرب، لكنّه يتسبب في خسارة مالية كبيرة للمنتج وللمطرب في حال كونه منتجاً لألبومه.
كيف يمكنك تعويض هذه الخسارة المالية؟
كانت لديّ خيارات عدّة من بينها خوض تجربة التمثيل أو تقديم البرامج بعد العروض الكثيرة التي أتلقاها منذ فترة طويلة أو العودة إلى إحياء الحفلات الغنائية. لكنّني اخترت الحلّ الأخير لأنّ الغناء هو الفن الوحيد الذي أجيده وأستطيع أن أكسب رزقي منه.
ولماذا توقفتِ عن إحياء الحفلات؟
توقّفت لأنّني لم أكن راضية عن مستوى الحفلات في مصر. إنّها تتطلّب إبهاراً سمعياً وبصرياً حتى تدفع الجمهور إلى شراء تذكرة لمشاهدة المطرب وهو يغنّي أمامه على المسرح وإلا فليشاهده وهو يغنّي على التلفزيون. هناك إبهار يميّز الحفلات الـ "لايف". وحين فشلت في العثور على هذا الإبهار، إعتزلتُ الحفلات الغنائية.
هل تغيّر الوضع في الفترة الأخيرة؟
لم يتغيّر لكني سأحاول تغييره من خلال إقامة حفلات مختلفة. لا أقول إنّها ستشبه الحفلات الغنائية في الدول الأوروبية وأميركا، لكنّها على الأقل ستحتوي على الحد الأدنى من الإبهار الذي يضمن للمشاهد الاستمتاع بالمبلغ الذي دفعه مقابل مشاهدة نجمه المفضل وهو يغني.
لماذا كنت حريصة على أن يظل شادي ابنك بعيداً عن الإعلام حتى وقت قريب، أي عندما أصيب بمرض أنفلونزا الخنازير وظهر على غلاف إحدى المجلاّت؟
كنت حريصة أن يظل شادي بعيداً عن الإعلام، لأنه كان طفلاً صغيراً لا يدرك معنى الاختيار. وأنا لم أكن لأختار له شيئاً قد لا يحبّه، كي لا يلومني حين يكبر. كما أنّ والده كان يفضّل أن يظل إبننا بعيداً عن الإعلام، فقد كان يقول لي دوماً: ألا يكفيكِ أن تكوني تحت الأضواء؟ لذا، إنتظرتُ حتى كبر شادي وعرضت عليه فكرة الظهور على أغلفة إحدى المجلات، فوافق لكنّه طلب منّي ألا يكرّرها ثانيةً.