إلى جانب دورها الثقافي المؤثر، تلعب بدرية البشر دور «المرأة» التي تقف خلف نجاح زوجها العظيم. فهي وزوجها الفنان المبدع ناصر القصبي (نجم سلسلة «طاش ما طاش»)، يشكلان حالة فريدة من التكامل والتميز. ففي الوقت الذي يرفض فيه القصبي الظهور الإعلامي المتكرر، مفضلاً الإفساح في المجال لأعماله لتعبر عنه وعن آرائه، تطل زوجته بهدوئها ورزانتها بين الفينة والأخرى، عبر البرامج التلفزيونية والمقالات الصحافية لتعبر عن حالة ما، ولتقول ما تعجز الكثيرات عن إيصاله. ونظراً إلى صداقتهما المميزة مع «زهرة الخليج» فقد فتحت أسرة القصبي باب منزلها الجميل في دبي أمامنا، لندخل هذا الركن الهادئ، الذي تصنع فيه الإبداعات بحضور ابنتهما الصغرى. وإن كان ناصر القصبي قد غاب جسداً، نظراً إلى كونه مشغولاً في التنقل بين بلد وآخر لتصوير مشاهد مسلسله «طاش 17»، إلا أن زوجته بدرية البشر «كفّت ووفّت» كما يُقال، لنخرج وفي حوزتنا هذا الحوار، الذي بدأناه من آخر إصداراتها، والذي شددت خلاله على أن «الحرية لا تعني الفوضى، وهي ليست مجرد عادات وسلوك عبثي».


• «الأرجوحة»، هي أحدث رواياتك إصدار عام 2010، أخبرينا عنها؟
ــ هي حكاية 3 نساء سعوديات، لكل واحدة منهنّ قصتها المختلفة، جربن الخروج من المملكة، أي خارج حدود ثقافتهنّ، وكل واحدة تبحث عن رجل يناسبها، حيث يعشن التجربة خارج الحدود. ويواجهن الكثير من المفاهيم التي لم يسبق أن قمن بتجربتها، أولها كان مفهوم الحرية، والثاني هو مقدرة كل واحدة منهن على العيش كإنسان ناضج، وباختيارات صحيحة خارج الحدود التي نشأن فيها. هذه هي الإشكالات التي طرحْتها عبر النساء الثلاث. والرواية بالنسبة إليّ كانت تجربة، حيث تساءلت فيها : ما هي الحرية؟ هل هي مسألة ممارسات العادات الذكورية؟ هل هي مفهوم ممارسة المتع غير المحدودة، أم أن الحرية هي القدرة على الاختيار، والقدرة على العثور على الحب وامتلاكه بشكل حر؟ وقد توصلت إلى نتيجة مفادها أن مفهوم الحرية يحتاج إلى الكثير من الوعي ليكون حقيقياً. فيجب أن تكون محصناً بالوعي وبتجربة حقيقية من البحث عن الذات لتستطيع الوصول إلى الحرية. فالحرية ليست مجرد عادات أو سلوك أو عبث وليست فوضى كذلك. قد يجرب البعض العيش بعبثية أو ضمن فوضى ما، ولكنهم في النهاية لا يصلون إلى الهدف.


• كتاباتك مثيرة للجدل دائماً، فكيف تلقّى الشارع السعودي وطبقة المثقفين هذه الرواية؟
ــ هنا المشكلة، فهناك بعض الكتاب الخاضعين لتصنيفات معينة مسبقاً، فكل ما يكتبونه له دلالات، وبالتالي هذه الدلالات لا تقودنا إلى شيء جديد. فالمعارضون يبقون معارضين، والمساندون يبقون على موقفهم، ولكن أنا لا تهمني هذه التصنيفات، بل ما يهمني هو جيل من الشابات والشبان الذين لم يعودوا ملتزمين بالقواعد القديمة، ولا بالأطر الفكرية ولا بالمرجعيات التقليدية في المجتمع، حيث يختارون القراءة لبدرية البشر، لأنهم يدركون أنها تمتلك شيئاً مشتركاً معهم، وأنها قد تقودهم إلى معرفة ضرورية بالنسبة إليهم. هذا الجيل الشاب هو الذي اشترى طبعة الكتاب الأولى في خمسة أيام، وهو الجيل نفسه الذي يرسل إليّ على الـ«فيسبوك» والإيميل أنه أحب «الأرجوحة». وطبعاً مشكلتنا الكبيرة والأزلية، تكمن في غياب الحركة النقدية القادرة على القيام بإضاءات على العمل الأدبي. وهذا كان يمكنه أن يكون عاملاً مساعداً، فأنا أشعر بالمحبة وأدرك أن الكثيرين أحبوا الرواية واستقبلوها، ولكن هذا بالنسبة إليّ ليس كافياً، لأنّي أعتقد أن جانباً مهماً من تجربة النشر للكاتب هو استبيان نقاط ضعفه.


• «الأرجوحة» واحدة من الروايات التي انتشرت انتشاراً واسعاً، ما سرّ نجاح هذه الروايات، التي تلعب على خطوط الحريات والانعتاق من العادات والتقاليد؟
ــ الحرية هي مطلب إنساني وليست مطلباً إقليمياً أو مرحلياً أو مرتبطاً بحضارة دون أخرى. فالإنسان مجبول على الحرية، وعندما تصبح أول مطالبك الإنسانية والغريزية محاصَرة ومكممة، فبالتأكيد تصبح أول مطالبك على الطاولة. ولكن السؤال الأهم هو: من ماذا نتحرر؟ هنا الإشكالية، هل هي حرية مطلقة، أم حرية بلا أخلاق، أم حرية بلا مسؤولية؟ هذا هو الجدل الذي نثيره، فالشباب الذين يطالبون بوجود حياة مشتركة بين الرجال والنساء في المقاهي، هذا واحد من الأشكال الطبيعية التي لا تناضل المجتمعات الأخرى من أجلها، فهي موجودة بشكل طبيعي، كما كانت موجودة في السعودية قبل المد الصحوي وقبل هذه الاختناقات التي حصلت. وما الذي تطالب به النساء؟ تعليم متقدم، التساوي مع الرجال، فرص عمل، إلغاء الوصاية عليهن بأشكالها المتعددة. وكل هذه المطالبات هي مطالب إنسانية، وبالتالي لا يمكننا أن ننعتها كما يحلو للبعض بالفضائح، فالكل يعتقد اليوم أن الأدب السعودي انتشر لأنه يفضح المستور.وفي الحقيقة إننا انطلقنا من مستور بالكامل، فالمرأة كانت مكممة بالكامل.. من حيث الصوت والصورة والحضور وما إلى هنالك. لهذا من هنا أتت التجاوزات، وكان كل تجاوز كبيراً ومثيراً للجدل. فلماذا فقط في السعودية عندما تكشف المرأة عن وجهها يولد الجدل؟ وعندما تطالب بقيادة السيارة يدور الجدل؟ علماً أن هذه الأمور بديهية في المجتمعات الأخرى.


• إلى جانب نشاطك الأدبي أنت ناشطة إعلامية وكانت لك إطلالات عديدة على شاشة «العربية»، في حلقات تناقش العديد من القضايا، منها قيادة المرأة للسيارة في السعودية التي تناصرينها. في رأيك كم يساعد الإعلام على تحقيق هذه الأفكار؟
ــ الجدل المثار اليوم كسر الحاجز النفسي، فنحن في السعودية كنا نعتقد أن التيار الليبرالي هو تيار محدود. وبالتالي فإن تأثيره في المجتمع محدود، وبمجرد أن أتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وأعطى الصحافة هذا السقف المرتفع في التعبير، وترك للتيارات، سواء الإسلامية أم الليبرالية، حرية التعبير عن نفسها، اكتشفنا أن الحاجز النفسي عند الكثير من المترددين في إعلان آرائهم قد انكسر. فاليوم، عندما تطرح قضية في الصحافة، سواء المكتوبة أم المرئية عن الاختلاط أو قيادة المرأة للسيارة أو غيرهما، نفاجأ بأن هناك مؤيدين كثيرين لهذا التيار، الذي كنا نعتقد أنه تيار لا يجد متأثرين أو مريدين في السعودية، والمؤيدون قد يزيدون على نصف المجتمع أحياناً.


• «الأرجوحة» أتت بعد غياب سنوات عن روايتك الأولى «هند والعسكر»، فلماذا كل هذا التباعد الزمني؟ وما الذي يختلف بين الروايتين؟

ــ التباعد الزمني كان بسبب انشغالي بمسائل أكاديمية مثل الدكتوراه، ولأنني كنت متهيبة من مسألة كتابة الرواية، كما كنت أبحث عن شكل جديد وبعيد عن «هند والعسكر» لأنني أعتبر روايتي الأولى، هي رواية البداية التي تحمل شيئاً من الطفولة ومن العفوية، وكنت أريد أن أعود برواية أكثر نضجاً من الناحية التقنية، كما أنني كنت أعتقد أن ليس هناك وسط من القراء.ولكن بعد ردود الفعل التي حصلت مؤخراً، أصبح الكاتب يجلس وراء مكتبه وهو مدرك أن هناك الكثير من القراء الذين سيقرأون ويحاسبون ويتفاعلون مع ما كتبه، وهذا أمر إضافي محمس للكتابة، لهذا قررت أن أعود في هذا التوقيت بالتحديد.


• هل أعدت قراءة «هند والعسكر» قبل الشروع في كتابة «الأرجوحة»؟

ــ (تضحك) أنا كل عشرة أيام أفتح صفحتين من روايتي وأقرأ، ولكنني لا أحتمل قراءتها كاملة، لأنني أكتشف فيها الكثير من الأخطاء. وأنا عندما أصدر عملاً جديداً أهرب منه، وأحاول ألا أراه إلا إذا سمعت إطراءات مطمئنة، وقتها أطل قليلاً في العمل، ولكنني لا أقوم بقراءته كاملاً، لأنّي من المستحيل أن أجده عملاً كاملاً أو جيداً، ودائماً أرصد الأخطاء.


• إلى جانب الروايات، هناك القصص القصيرة، ودراسة خاصة عن «طاش». وعلاقتك بهذا العمل مميزة بحكم أنه عمل زوجك الأبرز، فما الذي يمثله بالنسبة إليك أنت؟

ــ أنا أرى أن هذا المسلسل هو واحدة من علامات التغيير في المجتمع السعودي، وواحد من الأعمال التي مرت في التاريخ السعودي، وسيبقى أثره موجوداً في مختلف المستويات والصعد، لأنني لا أعتبر «طاش ما طاش» مجرد عمل درامي، فهو برنامج اجتماعي مهم، وأعتقد أنه أحدث تغييراً في الذهنية السعودية وفي طريقة التفكير، وفي النقد الإعلامي الذي لم يكن معروفاً قبل «طاش ما طاش». فقبل المسلسل، كانت هناك حالة من الرضا، أو إقناع النفس بأن ما هو موجود كافٍ. ولكن هذا المسلسل علم السعوديين أن يقولوا إنه يجب أن يكون هناك أفضل مما هو موجود. والسعوديون كانوا يتحسسون من النقد الشخصي، فأتى هذا المسلسل ليعلمهم كيفية الضحك على أخطائهم، وقد يكون نجاحه مرتبطاً بهذه الأسباب. وبالتالي، فليس عيباً أن تحب نفسك وتنتقد سيئاتها وتحاول تصحيحها في الوقت نفسه.


• هل يُعتبر هذا المسلسل ضمن سياسة «التنفيس» أو التوجه الحكومي أو الإعلامي الجديد في السعودية؟

ــ هذه واحدة من القراءات التي تحاول أن تسلب «طاش ما طاش» نجاحه. ونتيجة لقربي من المسلسل، فأنا أعرف صعوبة المسألة، وأعرف أن هذا السقف المرتفع من النقد، لم يُقدَّم للمسلسل منذ البداية ولم يحصل بين يوم وليلة، ولم يقدم لهم على طبق من ذهب، ولم يكن هناك استدعاء لهذا المسلسل لإنقاذ أي جانب. ما حصل هو نجاح مستحق بعد أن اكتسب هذه الشعبية الواسعة، وتحوّل بذلك إلى سلطة في حد ذاتها. وفي الوقت نفسه وضع هذا المسلسل التلفزيون السعودي والدراما السعودية في الصف الأول للدراما العربية. وهذه المكاسب كانت تستحق التسامح من الجانب الرقابي، وبهذه الطريقة، انتزع الحق. وبالتالي، عندما يدعي أحد ما بأن السلطة هي التي دفعت بهذا النوع من حرية التعبير أو النقد، فهذه محاولة لسلب هذا العمل مقدرته وشجاعته على التصدي لهذه المسألة.


• بحكم قربك من «طاش» ألم يغرك ذلك بالمشاركة فيه ككاتبة ولو ببضع حلقات؟

ــ الإنسان الناجح في ميدان ما، لا يبحث عن عمل ناجح. أنا أرى أن «طاش ما طاش» لا يحتاج إلى مشاركتي، وأنا أيضاً لا أحتاج إلى مشاركته، فهو عمل مكتمل بعناصره ورؤيته. بمعنى أن هناك طقساً معيناً في «طاش» ولوناً محدداً. وأنا لم أكن منتمية إلى هذا اللون أو ذاك الطقس، فمن الصعب الانخراط فيه. وأنا لو أحببت أن أفعل شيئاً سأفعل ما يخصني أنا، وينتمي إليّ، شيئاً يدرك الناس أنه من صنعي.


• لكنْ هناك دائماً أزمة نصوص وبحث عن كُتاب جدد، وأنت كاتبة قديرة، وتناقشين في كتاباتك موضوعات مشتركة مع المسلسل، فما المانع من توحيد الجهود بينك وبين زوجك؟

ــ مسألة التأثر والتأثير موجودة جداً بيننا كزوجين، فأنا أشاهد ناصر وهو يأخذ مقالاتي ويضعها ضمن أرشيف المسلسل كأفكار، وكنت أضحك وأقول :«دائماً يسرق ناصر أفكاري»، وعندما أواجهه يقول لي: «إذا لم أسرق أفكار حبيبتي، فأفكار من سأسرق؟». ولكننا في المقابل نجلس بشكل دوري ونشاهد «طاش» ونناقش أفكاره وأسلوب طرحها، فالتعاون على هذا المستوى موجود، كما أنني أكتب في الصحافة التي يعتمد عليها ناصر كثيراً لتغذية أرشيفه. ولهذا أنا لا أشعر بنفسي بعيدة كل البعد عن المسلسل. ولكن على المستوى الحرفي وكتابة الحلقات، فأعتقد أن هذا الأمر هو مضيعة للوقت لي ولهم، لأنني لم أكن معهم منذ البداية، إلى جانب عدم قناعتنا بعمل الأزواج المشترك، لهذا لم نفكر في هذا الأمر من الأساس.


• تردد كثيراً أن «طاش» أنهى المهمة الموكلة إليه وأنه يجب أن يتوقف، أنت ما رأيك؟

ــ كلما كان هناك تحضير لجزء جديد من المسلسل، يكون هناك تفكير مقابل في وجوب إيقافه. حالياً يتم تصوير جزء جديد من المسلسل، ولكنني أشجع ناصر على التفكير جدياً في إنهاء هذه السلسلة، لأنني أعتقد أن «طاش» أدى ما عليه، واكتمل كمشروع فني، ويجب أن يتوقف.


• بعد 18 سنة قُدم خلالها 17 جزءاً من هذا المسلسل هل تتخيلين، أن من الممكن الابتعاد عنه؟

ــ دائماً هناك مهمة يجب أن تنتهي، فالجمهور لم يعد يفكر في حقه في «طاش» وإنما حوّله إلى طقس يجب أن يستمتع به كل رمضان وأن يلعنه أيضاً في كل مرة. الجمهور أصبح يعامل «طاش» كأنه ابنه، يمتلكه ويفرض عليه وصايته، ولكن هذا الكلام غير صحيح، فـ «طاش» انتهى كمشروع وأدى مهمته جيداً، وأعتقد أن على ناصر أن يفكر في موضوع آخر ومشروع مختلف.


• أين ترين ناصر القصبي اليوم بين الفنانين السعوديين والفنانين العرب؟

ــ هو نجم من نجوم الصف الأول في العالم العربي، وهو علامة مميزة، ولا أقول هذا الكلام لكوني زوجته,وإنما من منطلق أني كاتبة، أراه بطلاً على المستوى المحلي، ولكنه بطل موهوب، فمن النادر أن يكون هناك فنان يمتلك الوعي وموهوب في آن معاً، فعادة هناك فنان موهوب ومخرج واعٍ. أما «طاش»، فهو رؤية ناصر القصبي وعبدالله السدحان، وهي رؤية فنية واجتماعية وفكرية، وهذه الخلطة من النادر أن تتوافر.


• هل صحيح أن خلافاً كبيراً وقع بين ناصر وعبدالله مؤخراً؟

ــ (تضحك) لا طبعاً، هذا الكلام غير صحيح، ولكن النميمة هي ملح الحياة اليومية، ويبدو أن الناس يحبون إضافة بعض الملح إلى أخبارهم. قد تكون مشادة عادية في الاستديو ولكنها حملت أكثر مما تحتمل وتحولت بتناقل الخبر إلى خلاف كبير. على كل أنا لا أعرف كثيراً عن هذه التفاصيل، لأن ناصر يفصل كثيراً بين العمل والبيت.لذلك فأنا لست مطلعة كثيراً على تفاصيل العمل اليومي في «طاش».


• وهل تعتبرون أن عبدالله السدحان فرد من أسرتكم؟

ــ لا على الإطلاق، هو شريك مهني في الدرجة الأولى، وقد يكونان صديقين هو وناصر، ولكنه ليس قريبنا على المستوى العائلي، لأنه ليس هناك علاقة عائلية بيننا.


• بماذا تفسرين تهرب ناصر القصبي من الإعلام في حين أنه متزوج بكاتبة وإعلامية؟

ــ أنا أعتقد أنها مسألة سيكولوجية في الدرجة الأولى، فشخصية ناصر أمام الكاميرا تختلف عنها في حياته العادية. فهو شخصية متحفظة، خاصة مع الإعلام، ويعتقد أن عمله هو الذي يجب أن يتحدث عنه، والإعلام فيه جزء استهلاكي، وهو لا يحب هذه الصورة الاستهلاكية للنجم، وأنا أوافقه هذا الرأي.


• نعود إلى تجربتك الشخصية، فأنت كتبت في كبريات الصحف السعودية، إلى أي مدى سرقك الإعلام من الأدب؟
ــ لقد كنت أعتقد أنني مشروع أديبة صرف، ولكنّي اكتشفت أن الأدب لا يصل بصورة صحيحة إلى الناس. وعلى الرغم من الزخم الأدبي، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر زخم الصحافة السعودية، وما حققته من انتشار واسع في أسواق واسعة، واكتشفنا كأدباء، ولست أنا الوحيدة، أن الصحافة يمكن أن تكون معبراً هاماً لهذا النوع من الأفكار التي نؤمن بها. وفي النهاية الأديب هو إنسان يحاول التعبير عن نفسه، وعن أفكاره، والصحافة هي التي نجحت أكثر من الأدب. وحتى يومنا هذا، ما زال جمهور الأدب أقل عدداً من جمهور الصحافة. لهذا، أنا لا أعتبر أن العمل الإعلامي سرقني من الأدب، فقد أصبح الاثنان يصبان في المصب نفسه، وهو توصيل أفكاري كأديبة وكاتبة، وحتى عندما أنشر كتاباً فشهرة اسمي صحافياً تروّج لكتابي، ولهذا أصبحت الصحافة في خدمة الأدب. ولو أتينا للتمنيات، طبعاً كنت أتمنى أن أتفرغ للأدب، ولكن شعوري بوجوب المشاركة في مرحلة التغيير والمسؤولية لم يترك أمامي خيارات متعددة.


• تخرجت من «جامعة الملك سعود» وعملت كمدرسة فيها أيضاً، فلماذا توقفت عن التدريس؟

ــ توقفت عن التدريس لأسباب إدارية بحتة، حيث رغبت في دراسة الدكتوراه، واضطررت إلى دراستها خارج الجامعة.


• كيف تصفين البيئة الجامعية في السعودية، خاصة بالنسبة إلى الجامعات النسائية؟

ــ بالتأكيد إنها بيئة غير صحية، وغير علمية أيضاً، فالجامعات تتمتع بشروط المدارس الثانوية، وليست مجالاً للبحث العلمي أو التطور الشخصي والفكري، هي مجرد مدرسة، وهذا المناخ لا يشجع أي استاذ أكاديمي على الاستمرار فيه.


• بعد أن أطللت في عدد من البرامج التلفزيونية هل تفكرين في تقديم برنامج تلفزيوني؟

ــ لا، لأنني غير متصالحة جداً مع الإعلام،وأقصد الحضور التلفزيوني، لأن الاستهلاك اليومي قد يحقق نجاحاً يومياً وآنياً، ولكنه ليس نجاحاً عميقاً وأصيلاً. قد يكون هناك من يمتلكون هذه القدرة ولا يمتلكون غيرها أيضاً، ولكنني بكل تأكيد من هؤلاء الناس، فأنا عرفت نفسي وأنا أعمل في كتابة الكتب والمقالات الصحافية ولا يمكنني تشتيت نفسي أكثر من ذلك.


• على الصعيد الشخصي، أنت أم لثلاثة أبناء، ما الأسلوب الذي اتبعتِه في تربيتهم؟

ــ أنا ربيت أبنائي بالحكايات، فرسالة الماجستير كانت في الحكايات الشعبية، وأنا أكتب القصة القصيرة، وكنت أعتقد أنه يمكن استخدام القصة في الأسلوب التربوي، وأعتقد أن القصص ساعدتني جداً على تربية أولادي. وأهم ما حرصت عليه في تربيتهم عدم تكرار الأخطاء التي عشتها في حياتي، وتحقيق نسبة عالية من الديموقراطية، من احترام كيانهم وأحاسيسهم، وأحاول الإمساك بأيديهم ليحققوا ذواتهم من دون الانشغال بمسألة السلطة التي لا أجيدها أصلاً.


• إلى مَن هم ميّالون أكثر إلى والدهم النجم أم إلى والدتهم النجمة في البيت؟

ــ هذا الواقع يشكل عبئاً على الأولاد إلى حد ما، ولكنه في الوقت نفسه يحول نماذج النجاح إلى هدف بالنسبة إليهم. فهم لا يتساءلون إن كان مفترضاً عليهم أن ينجحوا أم لا، فطالما أن الأهل لديهم مشروع قائم، فالأولاد سيعيشون في السياق نفسه.