كثيرون استوقفهم خبر مشاركة المخرج خالد يوسف في افتتاح مسجد في مسقط رأسه في قرية "كفر شكر"، خصوصاً أنّ صاحب "دكان شحاتة" معروف بتحرّره الفكري والديني. وهو ما يظهر جلياً في أفلامه وفي تصريحاته المعادية للحجاب، ولعمل المحجّبات في السينما. كما يظهر جلياً في معاداته للسينما النظيفة واعتباره واحداً من المخرجين الذين لا يجدون مشكلةً في شحن أفلامهم بالمشاهد الساخنة في معظم الأحيان. لذا، فإنّ خبر اختياره "من قبل الحكومة" ليكون الواجهة الدعائية لافتتاح مسجد جديد، لا يقل غرابةً عن خبر اختياره سهير البابلي لمشاركته بطولة أحدث أفلامه!
هي ليست مزايدةً على تديّنه أو غيرها من المزايدات التي يفضل بعضهم إطلاقها على الفنانين بلا مبررات. وليس تقليلاً من شأن المخرج. بل كان يمكن للأمر أن يمر بهدوء من دون ضجّة إعلامية، على اعتبار أنّه عمل خيري لا يحقّ لأحد التدخل به، لولا تلك النشرة التي أصرّ مكتب المخرج على إرسالها إلى الصحافيين والإعلاميين وجاءت مرفقةً بصور المخرج محتفِلاً بافتتاح المسجد.
الأمر يطرح استفساراً عما أصبح يدور في ذهن خالد يوسف مؤخراً. ما الذي يمكن أن تضيفه المشاركة في افتتاح مسجد إلى سينمائي مثله؟ وما الذي يريد أن يكسبه من نشر هذا الخبر؟ إلا إذا كان الأمر محاولةً منه لكسب جمهور جديد كمقدمة لتغيير فكر أفلامه ونوعيتها، والدليل أنّه اختار الفنانة المحجّبة سهير البابلي لمشاركته بطولة فيلمه الجديد. وهو ما ينذر بفكر مختلف خصوصاً أنّ خالد يوسف كان يهاجم كلّ فنانة محجبة تعمل في التمثيل، ودخل في مشادات مع فنانات كثيراً، على رأسهن صابرين بسبب آرائه الحادة في هذا الصدد.
الأمر أيضاً قد يكون محاولةً من صاحب "حين ميسرة" لإثارة ضجّة إعلامية جديدة حول المخرج "النجم" الذي اعتاد العيش تحت الأضواء، فخرج بخبر يعرف جيداً أنه سيثير ضجّة كبيرةً. ويبقى التفصيل الأهم هو سرّ اختيار الدولة لخالد يوسف تحديداً من أجل القيام بهذه المهمة، خصوصاً أنّ الاختيار جاء من وزير الاستثمار المصري شخصياً. كما حضر الافتتاح عدد كبير من قيادات الدولة، منهم المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية، واللواء سيف جلال محافظ السويس، وعبد العزيز مصطفى وكيل مجلس الشعب، وعربي فؤاد عضو مجلس محلي المحافظة، واللواء سيد عزب عضو مجلس الشعب والعميد أبو مسلم يوسف. قد يكون السبب أنّ خالد يوسف هو الفنان الوحيد الذي ينتمي إلى هذه القرية التابعة لمحافظة القليوبية، وقد تكون الحكومة تحاول عبر هذه المبادرة أن تتقرّب من المخرج المعروف بآرائه المعارضة والثورية، هو الذي الذي اعتاد مهاجمة الدولة في كل أفلامه. علماً بأنّه بعد انتهاء الافتتاح، لبّى خالد يوسف دعوة وزير الاستثمار بتناول الغداء في "منزل الوزير" مع لفيف من قيادات الدولة.
في النهاية، المصلحة مشتركة بين مخرج يبدو أنّه اقتنع أخيراً بأنّ المد الديني المحافظ في المجتمع العربي أقوى منه، فقرر أن يسير مع التيار، وبين دولة أرادت كسب المخرج المشاغب في صفّها، لتضمن عدم قيامه بمناوشات سياسيّة جديدة من مناوشاته المعتادة.