يشبه التجوّل في محل "ملبوسات الهناء" في إحدى ضواحي عمّان الهادئة التجوّل في محترف فنّي. هذا هو ملجأ المصممة الأردنيّة والعراقيّة الأصل، والتي تقيم في عمّان، هناء صادق. خط دفاعها الأخير ضد فوضى الألوان والموضة كما تصفها. تغمرك أثناء التجوّل العباءات والجلابيات وفساتين السهرة والكوكتيل، بألوان زاهيّة حيويّة، بتصاميم عصريّة مستوحاة من التراث.
حركة صادق وبناتها نادية ونورا في المحل تشبه الألوان التي ترينها عبر تشكيلة الملابس الحيويّة. ثمة زبونة تجرّب عباءة لمناسبة خاصة، وأخرى تتحدّث مع صادق حول تشكيلتها الأخيرة. أما مشغل الخياطة والتصميم، فمعمل أفكار وإبداع. تجلس ابنتا صادق اللتان تفرغتا للعمل مع والدتهما في المشغل، وحولهما مئات الخيوط والألوان والرسومات. الراديو دائماً على مؤشر إذاعة مونتي كارلو، مما يضفي لمسة عالميّة على الأجواء.
الأغنية الفرنسيّة التي تصدح من الراديو ترجع بصادق إلى أيام دراستها في مدرسة الراهبات بالعراق، هناك حيث دفعها إتقان اللغة الفرنسية للحصول على شهادة البكالوريوس في هذه اللغة من جامعة بغداد.
قبل ذلك، كانت الأجواء التراثيّة تصبغ طفولتها، إذ ولدت صادق في كنف عائلة عراقيّة عريقة، كان التراث جزءاً من الممارسات اليوميّة فيها.


ولعها السابق باللغة الفرنسيّة والفن والتراث، دفعها للسفر إلى فرنسا، حيث درست تصميم الأقمشة والرسم بالحرير والسيراميك.
حينئذٍ، بدأت رؤيتها للأزياء العربيّة بالتكوّن. فبدأت أوّلاً رحلاتها بدافع الفضول تجاه الأزياء العربيّة التي شعرت بأن الغرب يهتم بها أكثر من اهتمامنا نحن العرب بها. رحلة تحوّلت إلى دراسة، ثم هواية تذكّرها بالطفولة، ثم أخيراً همٌّ يوميّ توثيقيّ. فعبر هذه الرحلات التي درست فيها تأثير العادات والتقاليد والإرث التاريخي على الأزياء والمجوهرات والحلي، تشكّلت لديها ملامح متحف لا مثيل له.
يضم هذا المتحف الآن أكثر من 5000 قطعة نادرة من الحلي الفضيّة والمجوهرات من عدة بلدان عربيّة ومن عدة فترات زمنيّة يعود بعضها إلى أكثر من 150 عاماً. إضافة إلى مجموعة من الأزياء التي تفتخر بها، والتي تظهر تنوّع مزاجات الأزياء في العالم العربيّ.
هكذا تتضّح رؤية صادق يوماً بعد يوم. ففي الثمانينيات، بدأت في العمل على تطوير الزيّ العربي في قالب عصريّ. يومها كان من المستغرب أن ترتدي امرأة عباءةً أو قفطاناً أو حتى فستاناً يستوحي تصميمه من الأزياء التراثيّة. وكان استعمال الخط العربيّ في الأزياء مغامرة نجحت صادق في خوضها لتضمن لها مكانةً بين المصمّمين المجدّدين. حاملة همّ إنقاذ الأزياء التراثية التي تمنح هويّة للمرأة العربيّة المعاصرة وحمايتها من الذوبان في فوضى الموضة التي نشهدها في يومنا هذا.
ومؤخراً، وبعد أكثر من 25 عاماً على تصميم أول تشكيلة من الأزياء، عادت صادق لتمارس نفس الدور على جيل الشابات الآن. أطلقت صادق تشكيلتها الجديدة لصيف 2010 مستهدفة الشابات من أعمار 14 إلى 25، بهدف المحاولة في تذكير هذا الجيل بتراث من الأزياء الجميلة والأنيقة... والتي تستطيع أن تكون معاصرة أيضاً.


تضم هذه التشكيلة قطعاً لم تصممها صادق من قبل، مثل البلوزات، والسراويل، إضافة إلى تشكيلة من الفساتين والعباءات. أزياء تحمل نفس الهمّ التراثيّ، ونفس الالتصاق برموزه مثل الخط العربيّ والتطريز، لكن بقطع معاصرة يمكن للصبية ارتداؤها إلى العمل أو الجامعة أو أثناء خروجها لقضاء أعمالها خلال النهار، أو حتى خروجها لتمضية الوقت. ومعوّلة على حس الجرأة لدى الجيل الشاب، فـ"ارتداء سروال وبلوزة مع خط عربيّ يعتبر جرأة في مجتمعنا الآن".
شهرة أزياء هناء صادق وصلت إلى أنحاء العالم، وارتدت فساتينها الملكات والأميرات والمشهورات. كما صمّمت أزياء عدد من المسرحيات والمسلسلات التلفزيونيّة، وفرق الرقص. وفي تجوالها عبر العالم، تتصدّر صادق العروض الثقافيّة الأردنيّة، لتطلع العالم على هذا التراث الغنيّ. كما تقدّم محاضرات حول تراث الأزياء العربيّ.


نالت صادق في مسيرتها عدد من الجوائز، وحازت على عدد من الأوسمة العربيّة والعالميّة، كان آخرها الميدالية الذهبيّة للأزياء الراقية، ولقّبت بـ"سفيرة الأزياء العربيّة" في إيطاليا. ومؤخراً تم تكريمها في باريس من قبل "اليونيسكو" في حفل ضم باحثين وأساتذة جامعات ومدير معهد العالم العربي. كما قدمّت محاضرة حول " الأزياء التراثية وعلاقتها بالمعاصرة" في نفس الحفل.
ماذا بعد هذه المسيرة الحافلة؟ تعمل صادق هذه الفترة على توثيق تشكيلتها النادرة من الأزياء والحلي التراثيّة. حالمة بأن تفتتح متحفاً خاصاً بها. كما تعمل صادق على كتابة مسيرة حياتها المهنيّة عبر هذه الأزياء.