أيام قليلة تفصلنا عن موسم رمضاني حافل بالأعمال والمسلسلات الدرامية التي ستعرض على الشاشات العربية. إذ بلغ الإنتاج هذا العام أكثر من مئة مسلسل منوّع من مختلف الدول العربية. وسيلاحظ المشاهد العربي غياب الأعمال التركية عن الشاشات العربية لشهر فقط، لتعود بعدها تضرب الطبول وتعلن عودتها من جديد. فهل استطاعت هذه الدراما أن تحرّك ما كان ساكناً عند المواطن العربي؟ وهل صحيح أنّ حالة الإنبهار بالمسلسلات التركية ناتجة عن ضعف الإنتاج الدرامي العربي على الرغم من أنّ الموسم الواحد ينتج أكثر من مئة مسلسل؟ وهل لعبت اللهجة الشامية والأسماء العربية دوراً بارزاً في تقبّل الأعمال الدرامية؟ من جهة أخرى، ألا يعني هذا الانجذاب النسائي إلى الشخصيات الدرامية التركية نوعاً من الانتقام من الرجل العربي؟


يعتبر بعض المتابعين والنقاد الأتراك بأنّ الدراما التركية وجدت سوقها في المنطقة العربية لأسباب كثيرة، أولها أنّ العرب لديهم سوق استهلاك لكل المنتجات، إضافةً إلى تاريخهم الطويل مع الأتراك منذ الحكم العثماني واستيراد بعض العادات والتقاليد أيضاً. ومن خلال دبلجة الأعمال التركية إلى العربية وباللهجة السورية على وجه الخصوص، فقد استطاعت أن تلامس القلوب وتفتح عيني المرأة العربية على الواقع الذي يفترض أن يكون أي: العلاقة الرومانسية المتكافئة بينها وبين زوجها أو حتى حبيبها. من خلال انجذابها إلى البطل التركي، تبدو المرأة العربية كأنّها تقول للشباب العربي: انظر وتعلّم من رومانسية "مهند" أو رجولة "يحيى". فهل يعي الشباب العربي هذا الأمر، ويعدّل سلوكه تجاه المرأة، ويتعرف أكثر إلى طبيعتها وحاجاتها من خلال النموذج التركي الرومانسي العاشق الهائم والوسيم أيضاً؟


"أنا زهرة" جالت بين الشبان في دمشق لمعرفة إن كانوا يتابعون المسلسلات التركية. محمد عبد العال قال إنّه لا يتابع هذه الأعمال، بل رأى أنّها أصابت الثقافة المحلية قائلاً: "لا ينقصنا سوى أن نفتح مدارس محو الأمية العاطفية بسبب المسلسلات التركية".
ويقول عامر السعدي إنّه كان يبحث بين البنات عن "لميس" على عكس ما يؤكده سامر الذي يقول إنّ هذه الأعمال تروّج أفكاراً مخالفة للشرع.

 

حبّ وغرام و... قضية فلسطينية

من جهة أخرى، يرى الممثل عباس النوري أنّ الدراما التركية لم تتطرّق فقط إلى الحب والغرام، بل أيضاً إلى القضية الفلسطينية ودعمتها من خلال مسلسل "صرخة حجر" الذي عرض قبل فترة على "MBC". وقال النوري لجريدة "الدستور" المصرية إنّه "شيء رائع أن يقدّم الأتراك عملاً كهذا" لكنّه في الوقت نفسه لام العرب قائلاً "عيب على العرب أن تكون القضية قضيتهم، ويقدّمها الأتراك بهذه المهارة". بطل مسلسل "الاجتياح" الذي تناول القضية الفلسطينية، وحاز جوائز عالمية قبل سنوات، أعرب عن سعادته بتجسيد دور "السلطان عبد الحميد" في مسلسل "سقوط الخلافة"، خصوصاً أنّ العمل ستتم دبلجته، وعرضه على محطات تركية.

 

ظاهرة اجتماعية

يرى المخرج حاتم علي بأنّ الدراما التركية جذبت قطاعات كبيرة من المشاهدين العرب، معتبراً بأنها ظاهرة اجتماعية أكثر من كونها فنيةً، لأنّ ما يقدمه الأتراك "ليس أفضل مما تقدمه الدراما السورية من الناحية الفنية". ويضيف أنّها قد تشكّل خطراً على الدراما السورية لأنّها بدأت تحتل مساحةً في البث كانت مخصّصةً للأعمال السورية في الفضائيات العربية. ويعتقد علي أنّ الدراما التركية تمنح حريةً كبيرة من خلال التواطؤ بين المشاهد وأجهزة الرقابة، على اعتبار أن ما يجري هو بعيد عن عادات العرب وتقاليدهم، في حين لا تعطى هذه المساحة للدراما السورية، واعتبرها مفارقةً تدعو إلى السخرية.

 

أقل من الأعمال السورية إخراجياً

تتفق الممثلة السورية سوسن أرشيد مع حاتم علي، وتؤكد بأنّ أغلب الأعمال التي تمت دبلجتها في سوريا من قبل ممثلين سوريين هي أقل بكثير من الأعمال السورية لجهة الإخراج والمستوى التمثيلي وفكرة العمل. أما الممثلة رندة مرعشلي التي شاركت في المسلسل التركي "دقات قلب"، فوصفت العمل بالرومانسي الحالم. ورأت أنّ سبب نجاح الدراما التركية ووصولها إلى قلوب الناس، هو اللهجة السورية والفنانين السوريين.

 

باب رزق
يذكر أنّ هناك الكثير من الفنانين الذين يرون أنّ دبلجة الأعمال التركية وفّرت لهم باباً آخر يرتزقون منه. إذ يصل أجر بعضهم إلى 3000 دولار شهرياً. كما أنّ هناك الكثير من شركات الإنتاج التي أنشأت استديوهات خاصة لدبلجة الأعمال التركية وحتى الأميركية.
وقبل أشهر، قامت "سامة" الشركة السباقة إلى دبلجة الأعمال التركية، بدبلجة العديد من الأفلام الهوليوودية، وعُرضت على شاشة "MBC 4". لكنها لم تلقَ النجاح الذي حظيت به المسلسلات التركية.

 

والبلجيكية والهولندية والفرنسية قريباً

الممثلة لورا أبو أسعد صاحبة "استديوهات الفردوس للدبلجة" أعلنت منذ أيام عن نيتها دبلجة المزيد من المسلسلات التركية، والمكسيكية، والبلجيكية، والهولندية والفرنسية أيضاً... ليبقى السؤال الأهم: إلى متى سيتابع الجمهور الدراما المدبلجة؟ وهل يمكن للدراما السورية أن تشجّع السياحة وتسوّقها كما فعلت التركية؟