عندما تتكلم معها قليلاً تفهم لماذا تتمتع بهذه الهالة، بهذا الحضور وبهذه الكاريزما والبريق في العينين.
تجوب العالم، تتحدث إلى الدبلوماسيين والسفراء ورؤساء الجمهوريات والأثرياء بهدف تحسين الحياة اليومية للكثير من الإفريقيين.

كان لموقع " أنا زهرة " محطة مع هذه المرأة المناضلة في سبيل الإنسانية، بمناسبة صدور كتابها "استقلالات إفريقية" الصادر عن دار نشر Geneviève Laffont.

سألتُ ماريا مايلين التي أعرفها منذ سنوات طويلة، بعد تعرفي بزوجها البروفسور كلود مايلين، الاختصاصي في معالجة الأورام السرطانية في مستشفى سان لوي Saint Louis الباريسي، عن سبب تواجدها في هذا المستشفى وعن الدافع لعملها إلى جانب زوجها منذ أكثر من عشرين عاماً.

فقالت لي إنها بعد حصولها على ديبلوم ممرضة في عام 1982 في المغرب، عملت في المستشفيات هناك، ولاحظت أن مصير النساء الشابات بعد بتر الثدي المُصاب، كان الإبعاد والإقصاء من قبل أزواجهن. وهذا ما أحدث عندها ثورة نفسية جعلتها تقرر أن تغير مجرى الأمور. وهكذا في عام 1985 وصلت إلى فرنسا وتدربت على تقنيات الحفاظ على الثدي في حال الإصابة بالسرطان في مركز متخصص يُديره زوجها المستقبلي.

تتابع ماريا وتقول: أعملُ إلى جانب زوجي منذ سنوات على تخفيف آلام الروح المجروحة، أما هو فيقوم بمعالجة الجسد المُعذب. وفي القسم الذي يعمل فيه الاثنان، يأتي المرضى من كل أنحاء العالم، ولكن خاصة من الخليج العربي، الشرق الأوسط، وإفريقيا.

وماريا التي تجوب العالم كله من أجل المهمات الإنسانية والمشاركة في المؤتمرات الخيرية، تهتم أيضاً بالعلاقات العامة في قسم الأورام السرطانية.

وفي مكتبها نجد صورها مع رؤساء الجمهوريات كفرنسوا ميتران وجاك شيراك ورئيس الكونغو برزافيل سابقاً دنيس ساسو نغوسو الذي تربطها به علاقة صداقة قديمة، أو الملك الراحل الحسن الثاني الذي منحها في عام 1996 أهم وأكبر وسام في المغرب.

هذا وحصلت ماريا على عدة أوسمة. فهي انتخبت " امرأة العام" في عام 2006 من قبل مجلة مغربية، و" امرأة العام" أيضاً في أوسكارات عام 2007 التي تنظمها الصحافة الكونغولية. وذلك لمكافأتها على نضالها الخيري في الكونغو برازافيل من خلال جمعيتها الخيرية ال Cira التي أسستها في عام 1989 والتي تؤمن الأدوية وتكفل اليتامى، بالإضافة إلى تأمين الأجهزة الطبية وإرسال بعثات طبية خاصة لتدريب الأطباء المحليين.

وهذا العام أيضاً انتخبها " نادي المفكرين في الصحافة الإفريقية " امرأة العام.

ماريا متعلقة جداً بجذورها وهي تحتفظ بارتباط حميم وقوي مع المغرب، حيث تذهب أكثر من مرة في العام.

فسألتها عن حبّها لوطنها الأم ولوطنها بالتبني، فقالت: " لم يكن هناك أي بُعد أو قطيعة مع بلدي. فأنا متعلقة بأصولي، وفي الوقت نفسه أحترم الثقافتين والرايتيَن. وهذا ما علّمته ونقلتهُ إلى بناتي نورا و ياسمين وريم اللواتي تلقيَن تربية مزدوجة الثقافة ".

وتجدر الإشارة إلى أن ماريا بن إبراهيم هي ابنة رجل أعمال من البربر، وأمها من مدينة مكناس. عائلتها نزحت أصلاً من شبه الجزيرة العربية، وهي تشعر بهويتها العربية عامة والسعودية خاصة، لأن جذور عائلتها تعود إليها.

وفي ختام حديثي معها أردت أن أعرف وجهة نظرها بالنسبة للجدل القائم اليوم في فرنسا حول الهجرة والاندماج والدين. فقالت "في فرنسا اليوم يوجد خمسة ملايين مسلم، وهم جزء لا يتجزأ من المجتمع. هذا هو الواقع ! ولكنن أشعر أنني بعيدة عن هذه المواضيع، وكأنني أعيش على كوكب آخر. ربما لأنني أرافق المرضى إلى مثواهم الأخير وأخفف عنهم في رحلتهم الأخيرة. هنا عندما يأتي الناس لا نسألهم ما هو دينهم، ولا ننتبه إلى لون جلدهم. من وجهة نظري ليس هناك سوى بشر يتعذبون ويقاومون المرض من أجل البقاء على قيد الحياة".

ابتسمت لي بعد ذلك، أهدتني كتابها على أمل أن نلتقي قريباً جداً حول مشروع كتاب آخر. ولكن هذه المرة ستخصصه ماريا للعالم العربي وخاصة للمرأة فيه. ولكن اليوم لا أستطيع أن أقول أكثر.