يبدو أنّ الجمهور العربي والسوري بشكل خاص ما زال ينتظر حتى اليوم مشاهدة مسلسلات كوميدية تضحكه، وتنسيه همومه رغم مرور أكثر من عشرة أيام على بدء العرض الرمضاني. وتوقع عديدون الكثير من هذه الأعمال بسبب حجم الدعاية والإعلان لها قبل بداية الموسم الدرامي 2010 بالإضافة إلى ما رافقها من جدل حول نوعيتها. لكن بعد متابعتها، اكتشف الجمهور أنّها كوميديا... لا تضحك!
ومن الأعمال التي فقدت بريقها وحسها الفكاهي هذا العام مسلسل "بقعة ضوء" بجزئه السابع الذي يعد فسحةً للشارع السوري، لما يحمله من أفكار واقعية وحساسة تقدم في إطار الكوميديا السوداء. لكنّه يثبت اليوم بعد سبع سنوات أنّه فقد العديد من العناصر الدرامية، وتحوّل لوحات مطولة ومكررة الأفكار، وغالباً ما تكون فاقدة الهوية. عدا بعض اللوحات التي تعّد على الأصابع في محاولة للمحافظة على سوية العمل الذي يشارك فيه معظم الممثلين في سوريا. إذ اعتمدت هذه اللوحات على المباشرة في طرح الهم العام، مستندةً إلى أفكار لوحات قُدّمت في أجزاء سابقة من العمل نفسه، سواء كان شكلاً أو مضموناً، كلوحة "الوحشة العربية" و"القيمة المضافة".


ويمكن أن يقضي المشاهد ما يقارب ثلث ساعة وهو يتابع لوحة حملت عنوان "البحث عن تي شيرت محمد" ليكتشف في نهاية المطاف بأنه قد "أكل مقلب".
اللوحة التي قام بكتابتها الفنان أيمن رضا ويشارك فيها عدد من الممثلين منهم أمل عرفة، أيمن رضا، أندريه سكاف، محمد خير الجراح، أحمد الأحمد، غادة بشور وغيرهم تدل على فراغ كبير. ويلاحظ الجمهور أن ما يشاهده عبارة عن استكتشات بكاء ونواح بسبب ضياع تي شيرت محمد ليكتشف لاحقاً أنّ أمل عرفة هي من تلبسه بعدما جسّدت لنا معركة البكاء والندب والصراخ. لكن هذه المرة قُدمت اللوحة باللهجة المصرية علها تستطيع رسم ابتسامة صغيرة على وجوه الناس. هكذا يستمر العمل في هذه الطريقة. إذ بات المسلسل عملاً خفيفاً هدفه رسم الابتسامة على وجوه المشاهدين، كما صرَّح صُنّاعه لدى بدء إطلاقه.


وفي الإطار نفسه "غير المضحك" أو اللاكوميدي، ما زال الجمهور يتوقع من "أبو جانتي" أن يفاجئه بما كان ينتظره منه. فإن كانت هذه الشخصية التي ظهرت في إحدى لوحات "بقعة ضوء" قد تركت أثراً جميلاً لدى المشاهدين، واستحقّت عن جدارة التحول إلى عمل مستقل يعرض في ثلاثين حلقة، فيما استند صنّاعه إلى شهرة فنان محبوب خفيف الظلّ كسامر المصري، فهذا ليس عيباً على الإطلاق. لكن حتماً بالإمكان تقديم حلقات أكثر ذكاءً، وأقل إطالة وشططاً، وبعيداً عن الثرثرة والكلام المعسول. وليس المشاهد مضطراً أن يحتمل أحد زبائن "أبو جانتي" وهو يتحدث مع زوجته الغيورة على الموبايل مئة مرة، ثمّ مع عشيقته. عدا عن الطرب وأغاني "أبو جانتي" التي تحل أي مشكلة مهما كانت لأي شخص يركب معه.


أما العمل الذي يمكن أن يطلق عليه لقب "الأكثر جدلاً" على الإطلاق فهو مسلسل "صبايا". حتى الآن، لا يمكن تصنيفه ضمن الإطار الكوميدي ولا الجاد، ولا حتى الاجتماعي، فهو كما يبدو نوع قائم بحدّ ذاته.
ويبدو أن العمل الاكثر إضحاكاً حتى الآن مسلسل "ضيعة ضايعة 2" رغم وجود العديد من الإضافات غير المدروسة كتبديل الثياب لبعض الشخصيات التي تبدو بأنها جديدة و"مكوية" كثيراً رغم أن العمل قد تم تصويره في قرية يصعب فيها أن تجد مكواة.
هذه المتابعة المبدئية لأولى حلقات الأعمال الكوميدية ليست حكماً عليها بأنّها "فاشلة"، إذ ننتظر منها أن تقدم الأفضل في حلقاتها القادمة. فليس هدف الكوميديا إضحاك المتلقي، فعل الضحك لا يمكن أن يصنع أو يُفتعل، بل لا بد له من أن يكون حقيقياً. أما إذا وَضعت شركات الإنتاج نصب عينها أن مسلسل الإضحاك هدف بحدّ ذاته، فالنتيجة ستكون ثرثرة وإسفافاً.