هكذا تسمّي ميسون صقر القاسمي الأشياء، ليس بأسمائها بل كما تتلمسها ذاتها الشاعرة. إنها الشاعرة وسليلة الأسرة الحاكمة في دولة الإمارات، والتي عاشت متنقلة بين الإمارات ومصر.
الطفولة في الشارقة، والشباب في القاهر، هناك درست العلوم السياسية. وتلقت على يد والدها سمو الأمير الشاعر صقر القاسمي الشعر، وفي مكتبته تعرفت على كوليت خوري ونزار قباني وغادة السمان. وهناك أيضاً قررت أن تكتب مثلما فعلت هؤلاء المبدعات.
وهكذا أصدرت في العام 1983 أول دواوينها ووضعت له عنواناً يعبر عن رغبتها في النظر إلى العالم بطريقتها الخاصة، فكانت مجموعتها الشعرية "هكذا أسمي الأشياء"، والتي صدرت بعد 8 سنوات من التردد وبعد عودتها إلى الإمارات، حيث عملت في المجمع الثقافي- بأبو ظبي رئيسة لقسم الثقافة ثم لقسم الفنون، كما أنشأت قسم النشر ومهرجان الطفولة، وكذلك عملت بوزارة الإعلام والثقافة في دولة الإمارات كمديرة للإدارة الثقافية.
"هل تعتبرين نفسك شاعرة خارج سياق الشروط الاجتماعية المطلوبة من امرأة مثلك بشكل أو بآخر، هل تغردين خارج السرب دائماً؟". نسأل القاسمي وتقول "لا، ولكني منذ بداية تشكل وعيي وأنا انظر إلى السرب وكل ما يحيط به أيضاً كنت أرى الداخل والخارج، ولذلك لا أعتبر نفسي إلا ذات كاتبة تكتشف نفسها وبالعالم".
بعد ديوانها الأول، واصلت القاسمي إصداراتها الشعرية تباعاً منذ (جريان في مادة الجسد) حتى (أرملة قاطع طريق)، وكانت نصوصها الشعرية حافلة بالطابع السردي الذي أصبح جزءاً من بنية قصيدة القاسمي.
ونتيجة للحياة التي أمطرت القاسمي بكثير من الفقدان، وجدت نفسها شاعرة تتأرجح في كتابتها بين مفهومين الموت والحياة، واللذين انضوت تحتهما كل المفاهيم الأخرى كالحب مثلاً.
تقول القاسمي "أنا مؤمنة بسحر اللغة، بقوة أثرها في المشتغلين عليها، علاقة الكتابة بالحياة وجدتها في أكثر من تجربة" .
ويبدو أن تجربة الكتابة الشعرية بنفس سردي أيضاً، كما شاع في قصيدة النثر الحديثة، وكصفةٍ توفرت بوضوح في أعمال القاسمي الشعرية، قادتها لكتابة رواية.
تقول القاسمي "كتبت الرواية وأنا حبيسة في المستشفى لشهور طويلة أرافق أمي المريضة والنائمة في غرفة عناية مركزة في مستشفى بأحد الولايات الأميريكة".
آنذاك، كان وقع الصمت هو الطاغي، وميسون تقضي الساعات وحيدة في ترقب حالة والدتها، فقررت أن تسلّي نفسها وأن تروي لذاتها الحكايات كي يمر الوقت. وهكذا كتبت سيرة في البداية وبعد عودتها إلى القاهرة قامت بإعادة كتابتها وتركت للخيال أن ينسج نسيجه لتنتج هذه الرواية التي سمتها باسم الشخصية الرئيسية "ريحانة".
تم الاحتفاء بهذه الرواية وتلقتها الأوساط الأدبية بحفاوة إذ أنها رواية مليئة بعالم زاخر من العلاقات الإنسانية والسياسية والفكرية كما أنها تعالج موضوعاً من أشد الموضوعات العربية خطورة وهو مسألة العبودية والتحرر.
ومن خلال التعبير بكل أشكال الفنون، تؤكد هذه الشاعرة الإماراتية إقامتها في التعدد وتجريب مختلف الصيغ التعبيرية والفنية. اشتغلت في الفن التشكيلي والإخراج السينمائي والفيديو آرت الذي أخذها طويلاً من عالم التشكيل، وهاهي الآن تفكر بالعودة إلى التشكيل مرة أخرى.
نسألها ماذا يقدم التشكيل للكتابة وماذا تفعل الكتابة بالتشكيل؟ فتقول "الكتابة منحت التشكيل لدي الشاعرية، أما التشكيل فعلمني كيف أدرس بنية القصيدة".
ولكن كيف تقرأ القاسمي مشهد قصيدة النثر، وخاصة يد المرأة في قصيدة النثر العربي. هنا تقول القاسمي إن المرأة ظلمت في دورها في حركة قصيدة النثر العربية وتوقف الحديث عنها منذ نازك الملائكة. وتضيف إن شاعرات مثل فاطمة قنديل وظبية خميس ونجوم الغانم وهالة محمد وإيمان مرسال وعناية جابر من اللواتي كان لهن أثر واضح في قصيدة النثر. ولكن من المؤسف أن الدراسات النقدية لم تنظر لإنجاز المرأة الشعري في هذا الصدد لعدة أسباب. أولا الموقف الاجتماعي والثقافي من إنجاز المرأة بشكل عام، والموقف من قصيدة النثر بشكل خاص.
المكان تسرب مؤخراً إلى قصيدة القاسمي، حضور مصر والإمارات بات لافتاً وواضحاً أكثر، ثنائية الوطن وأرض النيل، حيث تعيش الآن في القصر الذي كان أهداه الملك فاروق للأميرة ناريمان واشترته والدتها مطلع الثمانينيات. وربما تجسد هذا التعلق بالقاهرة بكتابة القاسمي لقصائد بالعامية المصرية أيضاً.
ومايميز صوت القاسمي الشعري هذه النفس والجو البالغ الخصوصية، فحين تقرأ قصيدة القاسمي تشعر بأن هناك روح تسكن بين طيات قصائدها كأنها شبح حزين وناعم يراقب الحياة.
"أنا هي تلك الطفلة التي أمسكت يديها أوصلتها إلى بيتها.. طرقت الباب طرقتين وحين فتحت أمي سلمتني إياها.. وقلت وجدتها في الضوء.. فأطفأت أمي الضوء عنك أخذتني إلى السطح.. هل كان عماك هو الذي سلمني إلى أيدي الآخرين ولتكن يد أمي.. أم أن الذرة التي كبرت وخزت عين اليقين منك فأسلمتني يدك.. وتركت قلبك حائراً فيما يمكن فعله لطفلة شقية لا تعرف كيف تقبض بأسنانها على يديك".