تساؤلات عديدة رافقت إعلان جوائز "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي". هل جاملت لجان التحكيم السينما المصرية؟ هل مورست ضغوط من جهة ما؟ هل اختلط ما هو سياسي بما هو فني؟ أم أنّ هذه قناعة لجنة التحكيم؟!
بداية، يجب أن نذكر أنّه يحق للجنة التحكيم أن تنتهي إلى أي نتيجة يراها أعضاؤها. وهذه النتيجة ليست بالضرورة أن يجمع عليها النقاد والجمهور. وهناك دائماً مسافة ما تضيق أو تتسع بين ما تسفر عنه نتائج لجان التحكيم، وما يراه الجمهور وأيضاً النقاد. أتذكر مثلاً أنّه في الدورة الأخيرة من "مهرجان كان السينمائي"، كانت كل التوقعات تشير إلى أنّ جائزة "السعفة الذهبية" سوف تكون من نصيب الفيلم البريطاني "عام آخر" للمخرج مايك لي. وعندما أعلنت الجوائز، راحت الجائزة للفيلم التايلاندي "العم بونمي يتذكر حيواته السابقة". بالطبع، لم تكن هناك أي خلفيات سياسية للمهرجان، بل إنّ تلك كانت قناعة لجنة التحكيم التي ترأسها المخرج الأميركي تيم بورتون. هذه المرة في مهرجان القاهرة، حصل على جائزة الهرم الذهبي في المسابقة الدولية فيلم "الشوق" الذي يحمل توقيع المخرج خالد الحجر. لا أتصوّر أنّ هناك ضغطاً سياسياً مورس على أعضاء اللجنة لمنح جائزة للفيلم المصري، لكن هناك ذوق ما فرض نفسه على اللجنة.
شاهدت الفيلم ورأيت الأفلام الأخرى المشاركة في المسابقة الرسمية. والحقيقة أن الفيلم المصري كان غليظاً إخراجياً وفي كتابة السيناريو وقيادة الممثلين. كانت تعوزه تلك الحالة من الهمس الإبداعي يحاكي المسرحية الرائعة لدورينمات "زيارة السيدة العجوز" لكنه لا يتفهم تفاصيل الشخصية ولا واقعها. ربما استوقفت المخرج المكسيكي أرتورو رينستين الذي ترأس لجنة التحكيم، تلك الحالة الواقعية لأنه على دراية بالأدب المصري، خصوصاً أنّه أعاد تقديم فيلم مقتبس عن قصة نجيب محفوظ "بداية ونهاية" في العام 1994 بعدما قدمتها السينما المصرية قبل ثلاثين عاماً. فيلمه "بداية ونهاية" يتمتّع بسحر خاص مثلما كان لفيلم "صلاح أبو سيف" واقعيته وسحره. لكن "الشوق" لم يحمل هذا السحر الذي وجدناه في عدد من أفلام أميركا اللاتينية، ولا في معالجة المخرج المكسيكي لفيلم "بداية ونهاية". مع ذلك، كانت الجائزة الكبرى من نصيب الفيلم المصري في سابقة لم تحدث إلا مرة واحدة في تاريخ المهرجان مع فيلم "تفاحة" لرأفت الميهي الذي نال الجائزة عام 1996. وبالمناسبة، فإنه لم يكن أيضاً يستحقها. الجوائز الأخرى في المسابقة الدولية التي كانت من نصيب مصر مثل جائزة عمرو واكد أخذها عن الفيلم الإيطالي "الأب والغريب" ومناصفة مع أليساندو جاسمان. كما أن سوسن بدر التي أدّت دوراً مليئاً بالأحاسيس في "الشوق"، أخذت الجائزة مناصفة مع الفرنسية إيزابيل هوبير عن فيلم "كوباكابانا". إيزابيل كان أداؤها هادئاً. سوسن كان أداؤها صاخباً. وربما أنّ المبالغة في تكرار المعاناة يتحمل مسؤوليتها المخرج الذي لم يستطع تكثيف إحساس سوسن في عدد كبير من اللقطات. على الجانب الآخر، أرى أنّ لجنة التحكيم في المسابقة العربية التي منحت جائزة أفضل فيلم عربي للفيلم المصري "ميكروفون" من إخراج وتأليف أحمد عبد الله، لم تظلم الأفلام العربية الأخرى. إذ أنها منحت مثلاً فيلم "الجامع" المغربي شهادة تقدير عن الفكرة. ومنحت جائزة السيناريو مناصفةً للفيلمين اللبناني "رصاصة طائشة" والعراقي "ابن بابل". الفيلم المصري "الشوق" الذي تنافس في هذه المسابقة العربية خرج بلا أي إشادة أو حتى شهادة تقدير. هذه المرة أشعر أن لجنة التحكيم كانت منصفة عندما استبعدت "الشوق" من أي جائزة!!
السينما المصرية ـ وهذه قناعتي ـ لا تستحق الهرم الذهبي في المسابقة الدولية. وكان الأحق بها الفيلم الأيرلندي "وكأنني لم أكن هناك"، أو الفيلم الإيطالي "الابن والغريب"، أو الفيلم الفرنسي "كوباكابانا" أو البلغاري "التعليق الصوتي". هذه الأفلام وغيرها كانت الأفضل والأولى بالهرم الذهبي، لكن أخذها "الشوق" بدون وجه حق!!