منذ إعلان "ثورة الياسمين" في تونس، تحوّلت أصابع الاتهام إلى فناني تونس وموقفهم الوطني والسياسي. وطالتهم الكثير من الانتقادات والأقاويل، وعلى رأسهم لطيفة التي طالما رفعت الشعارات السياسية والعربية، وساندت غزة والعراق ولبنان. وها هي تلتزم الصمت إزاء ما يحدث في بلدها، إلى أن أُعلن عن الثورة وخروج زين العابدين بن علي من تونس.
وقد اشتهرت لطيفة بالصداقة التي تجمعها بليلى زوجة الرئيس التونسي، وتُعتبر من المقربين من تلك العائلة. وهو الأمر الذي تتطلب من لطيفة التزام الصمت قبل أن تعلن تأييدها لشعب تونس وللثورة التي قلبت الحكم، مضيفةً أنّها أطلقت اسم محمد بوعزيزي ـ الشهيد الذي أشعل الثورة ـ على ابن شقيقها. وأكّدت أنّها لم تغنِّ يوماً للكراسي، بل لتراب الوطن، وأردفت كلمة "مع احترامي للكراسي" وقتها. تصريحات لطيفة تلك أثارت موجة جديدة من الانتقادات. إذ شنّ موقع "الدستور الأصلي" هجوماً عليها، مذكّراً إياها بأنّها غنّت قبلاً للرئيس المصري حسني مبارك "اخترناك وبايعناك".
كذلك كانت الرسالة التي وضعتها الممثلة هندي صبري على صفحتها على "فايسبوك" حديث الصحافة. إذ اعترفت فيها بأنّها كانت جبانة في قبولها التوقيع على العريضة التي ضمت اسمها مع عدد كبير من فناني تونس للمطالبة بترشّح بن علي لفترة رئاسية خامسة. وجاء في رسالة صبري: "أشعر بخيبة أمل لأنّني كنت جبانة لأنني لم أقل لا، أنا ضد ولاية خامسة. كفى. في ذلك اليوم, فقدت احترام نفسي كفنانة وباعتباري امرأة قانون خانت الدستور".
اعترافات هند صبري وانقلاب لطيفة وبقية فناني تونس تفتح باباً للتساؤل عن مدى حرية هؤلاء الفنانين في التعبير عن رأيهم السياسي من دون أن يكونوا مجبرين مثلهم مثل بقية الشعب على الخضوع للسلطة وتنفيذ أوامرها. وكلّنا يتذكّر تصريحات الفنان العراقي الكبير سعدون جابر الأخيرة التي قدم فيها اعتذاره للشعب الكويتي على ما بدر منه أيام النظام السابق. يومها، أجبر على تقديم أغنية تسيء للكويت والخليج. وكما قال سعدون، "فعلت ذلك حفاظاً على حياتي. وبعد مرور 20 عاماً على الغزو، أتقدّم باعتذاري للشعب الكويتي. وأنا أقرِّ بخطئي، فقد أجبرت على ذلك". كذلك سبق للفنان كاظم الساهر أن قدّم أغنية للرئيس العراقي صدام حسين قبل خروجه من العراق.
إجبار الفنانين على تأييد السلطة، يضعهم في مواقف لا يحسدون عليها. إذ يجدون أنفسهم بين نارين: نار الحفاظ على حياتهم، ونار الحفاظ على صورتهم لدى الجمهور الذي يستاء أحياناً من ظهور فنان مؤيد لاتجاه سياسي قد يكون جائراً. وهذا الأمر ينطبق على عدد من فناني لبنان كنجوى كرم ووائل كفوري اللذين أُجبرا مرةً على الغناء للرئيس السوري بشار الأسد. مما جعلهما عرضةً لموجة انتقادات واستياء في لبنان.
وتبقى علاقة الفنانين بالسلطة ورجال الحكم مثار شك وريبة من قبل الصحافة والجمهور الذي يشكّك في مصداقية الفنانين ووطنيتهم، ويتّهمهم باتباع مصالحهم والتقرب من الحكام وأصحاب النفوذ من دون أن يعيروا التفاتةً حقيقيةً لقضايا أوطانهم وشعوبهم. فيما تبقى وطنيتهم مجرد شعارات رنّانة من أجل استقطاب الجمهور وكسب تعاطفه.