على مدى أكثر من عشر سنوات، كان هناك عدد من الأحكام القضائية حصلت عليها مذيعات التلفزيون المصري المحجّبات للظهور على الشاشة الصغيرة وهن مرتديات الحجاب. إلا أنّ مصير هذه الأحكام كان ينتهي دوماً إلى إيقاف تنفيذها على الشاشة. ورغم أنّ قوانين العالم كلّها صريحة تعاقب بالسجن كل مَن لا ينفذ حكماً قضائياً، إلا أنّ الدولة كانت تتحكم بكل شيء في مصر. وكان هناك قرار غير معلن توارثه كل وزراء الإعلام مع بداية انتشار ارتداء الحجاب بين عدد من المذيعات، هو أنّ التلفزيون الرسمي لن يسمح بذلك. القنوات المصرية الخاصة سمحت بذلك. لا أتحدث عن القنوات الدينية التي تستعين بطبعها بعدد من الممثلات اللواتي تحجّبن مثل عبير صبري، وميار الببلاوي، ومنى عبد الغنى وغيرهن، فهذه القنوات لا تسمح إلا للمحجّبات بالظهور على الشاشة، لكنّي أقصد القنوات الاجتماعية مثل "دريم" و"المحور" و"الحياة". ومن الواضح أنّ هذه القنوات لم تكن تفتح الباب على مصراعيه للمذيعة المحجّبة لكنه كان مفتوحاً على استحياء. أما القنوات العربية، فكل قناة لها طبيعتها الخاصة مثل "الجزيرة" التي لا تضع موانع مسبقة في ما يخصّ الحجاب. هكذا رأينا على شاشتها خديجة بن قنة التي تعتبر أشهر مذيعة عربية محجّبة!!
من الواضح أنّ الأمر في التلفزيون المصري كان خاضعاً لقرار الدولة السياسي الذي كان يربط بين الحجاب وجماعة الإخوان المسلمين رغم أنه لا يمكن أن نعتبر أنّ انتشار الحجاب هو بالضرورة معبّر عن انتشار تلك الجماعة. حتى أن التلفزيون المصري ظل حتى قبل 7 سنوات متحفظاً إزاء السماح بتقديم بطلات يرتدين الحجاب في العمل الفني. لا أتناول الممثلات المحجبات اللواتي اقتحمن الشاشة الصغيرة قبل بضع سنوات مثل سهير البابلي، وسهير رمزي وحنان ترك، لكن مجرد تقديم دور درامي للمرأة المحجبة كان يبدو من الممنوعات الرقابية!!
قبل أيام من رحيل حسني مبارك، وكمحاولة أخيرة للإنقاذ، تقرّر أن يُسمح للإخوان بالاشتراك في الحوار الوطني. أيضاً سمح لهم بممارسة النشاط في العلن وإنشاء أحزاب حتى لو لم تكن ذات مرجعية إسلامية. أعتقد أنّ القرار الأخير بعودة المذيعات المحجّبات إلى الشاشة الصغيرة يدخل في هذا الإطار، رغم أنّ هناك تحفظاً عند المذيعات غير المحجبات في التلفزيون الرسمي المصري اللواتي شعرن بأن برامجهن سوف تسحب منهن رغم أنني لا أعتقد أن أي قناة عامة قد تسمح بأن تستحوذ مذيعات محجبات بالحصّة الأكبر من الشاشة. كان القرار السابق الذي ينقل المذيعة المحجبة من العمل أمام الكاميرا إلى الوقوف خلفها هو قرار خاطئ، ولا شك في أنّه منعزل عن الشارع الذي نرى فيه المرأة المحجّبة. إلا أن هذا لا يعني أن الشاشة الصغيرة في التلفزيون الرسمي تصبح حكراً على المذيعة المحجبة. الاختفاء القسري عن الشاشة طوال السنوات الماضية لا يعني التواجد المكثف بعد انتهاء الحظر السياسي غير المعلن!!
ويبقى المشاهد. لا أعتقد أنه يحكم على المذيعة من حجابها بل من أدائها. أتحدث عن أغلبية الجمهور. ولهذا، فإن المذيعة التي تنجح في الاقتراب من الناس هي التي ستكسب في نهاية الأمر. ولن يسأل أحد قبل أن يشاهد برامجها: هل هي محجّبة أم لا؟!