الكل كان ينتظر هذه التجربة: كارلا بروني سيدة فرنسا الأولى في أول تجربة درامية تقف فيها أمام الكاميرا. قبل عام، كان السؤال: هل توافق السيدة الأولى أن تجرّب حظها في التمثيل، خصوصاً أنّ صاحب الدعوة فنان كبير بحجم وودي ألن، ومخرج وكاتب وممثل استثنائي في دنيا الفن السابع. على هامش المؤتمر الصحافي الذي أقيم لفيلمه "منتصف الليل في باريس" خلال "مهرجان كان السينمائي"، قال وودي ألن إنّ كارلا تتمتع بحضور، وتملك إحساساً، والكاميرا تحبها، وأنّه كان يتمنى أن يسند لها دوراً أكبر في فيلمه لولا أنّه يعرف أنها مشغولة. والمعروف أنّ كارلا حققت نجاحاً عالمياً في مجال الغناء، وهي تكتب وتلحّن أغنياتها بعدما حققت نجاحاً سابقاً في العمل "كموديل". ولا توجد شبهة مجاملة هنا. فالناس أقبلوا على المطربة قبل أن تصبح سيدة فرنسا الأولى لأنّهم أحبّوها سواء كانت هي السيدة الأولى أو لم تكن.
ترددت كارلا كثيراً قبل الموافقة على تجربة التمثيل. ولو لم يكن وودي ألن صاحب الدعوة، لتراجعت. إلا أنّها أوردت سبباً آخر لموافقتها هو أنّها كانت تخاف أن تندم على تفويت تلك الفرصة بعد مرور الزمن، وأضافت أنها تتمنى أن تروي لأحفادها هذه التجربة. هل السينما تساوي التاريخ؟ الشريط المرئي يحقق للفنان الاستمرار مع الأجيال القادمة. غريتا غاربو اعتبرت أنّ السينما هي التاريخ. إلا أنّ الشاشة التي شاهدتُها، لا أتصور أنّها ستحتفظ بشيء من هذا. أشعر أنّ كارلا استشعرت ذلك فور انتهائها من تصوير الفيلم، ولهذا لم تأت إلى المؤتمر الصحافي ولا إلى الافتتاح الذي أقيم أول من أمس الأربعاء. الناس لا يتقبّلون الفنانة لأنّها سيدة فرنسا بل لأنّهم أحبوها كمبدعة. ولا أعتقد أنّ التجربة كانت لصالحها بل لعلها ستصبح دافعاً كي لا تكررها مرة أخرى. وضعت إدارة المهرجان فيلم وودي ألن "منتصف الليل في باريس" في الافتتاح. من خلال إحساس الكاتب والمخرج، تستطيع أن تقرأ لماذا اختار باريس تحديداً مسرحاً للأحداث. إذ قال على طريقة الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل "لو لم أكن نيويوركياً، لوددت أن أكون باريسياً". إنها حالة عشق لمدينة الأنوار. في بداية الأحداث، نشاهد الشوارع هادئة ونائمة كأنّها تستعد لاستقبال خطيبين في طريقهما للزواج وقد اختارا باريس للتقرّب عاطفياً. المخرج وقع اختياره على العاصمة الفرنسية كموقع للتصوير بعد فيلم صوّره قبل 15 عاماً بعنوان "كل واحد يقول أحبك"!
قبل عامين، قدّم وودي فيلمه "فيكي كريستينا برشلونة" الذي عرض أيضاً في "كان" ضمن القسم الرسمي خارج المسابقة. نجد في الفيلم أيضاً امتزاج المدينة الإسبانية بحالة صخب المشاعر التي قدمها المخرج. هذه المرة، حشد وودي في "منتصف الليل في باريس" قسطاً وافراً من النجوم لا أتصوّر أنّهم خرجوا من التجربة منتصرين من كاثي بيتس، وأدريان برودي، إلى ماريون كوتيلّار ومايكل شين. الروح الساخرة تغلّف الأحداث. كعادة المخرج، يسخر ويفضح أيضاً الأدعياء في الفن والثقافة والسياسة والمشاعر. لكن لا شك في أنّ هناك تراجعاً حتى على مستوى الحالة الكوميدية التي لم تعد العنوان الأبرز لهذا المخرج الكبير!
هذه هي المرة الثانية التي يفتتح فيها وودي ألن مهرجان كان: الأولى كانت قبل تسعة أعوام بفيلم "نهاية هوليوودية" سخر فيه من السينما الأميركية. هذه المرة، يسخر من الادعاءات على كل الأصعدة، والحقيقة أنّ النوايا كانت طيبة في الفيلمين، لكن النتيجة لم تكن طيبة أبداً!
ماذا تقول كارلا لأحفادها بعد أن تصبح جدة؟ لا أتصورها ستكون سعيدة بالتجربة ولا نحن، ولن تجد الكثير لترويه لهم. هل تستطيع أن تقول لهم إنّ "سيدة" فرنسا الأولى صارت عن جدارة ـ بعد هذا الفيلم وعلى يد وودي ألن ـ سيئة التمثيل الأولى؟!