في العام الماضي، كان الشارع العربي يردّد دويتو "الناس الرايقة" الرائع الذي قدّمه أحمد عدوية مع رامي عياش. كان رامي صاحب فكرة الغناء مع عدوية. ورغم ابتعاده عن الأضواء، إلا أنّ رامي راهن على أنّ عدوية الأب سوف يمنح بنبرات صوته إحساساً شعبياً لـ "الناس الرايقة" والعالم "المتضايقة"!


هذا العام، أراد محمد عدوية الابن الذي ورث الغناء عن أبيه أن يقدم دويتو يحمل كل الملامح الشعبية بعدما أطلق عليه اسم "المولد". لو استمعت إليه، سوف تجد أنه وجه آخر لـ "الناس الرايقة"، لكنّه لم يحقق أي رواج جماهيري، ولم يشتره لا العالم "الرايقة" ولا الناس "المتضايقة"!


الحقيقة أنّ الآباء كثيراً ما يعتقدون أنهم يستطيعون أن يدفعوا بأبنائهم خطوات إلى الأمام. لكنّ للناس حكماً آخر. عادل إمام مثلاً راهن على ابنيه محمد ممثلاً ورامي مخرجاً في مسلسله المقبل "فرقة ناجي عطا الله". وما حدث على أرض الواقع أنّه تعثّر استكمال المسلسل لأن رامي لم يستطع إنجاز معدلات التصوير في الوقت المطلوب بينما لم يلتزم محمد بالحضور في مواعيد التصوير. وبسبب انتقاد المنتج لسلوك ابنيه، اضطر "الزعيم" أن يتحول إلى محامٍ يدافع عن التزام ولديه!


لو راجعت أحاديث عادل إمام طوال السنوات الأخيرة، سوف تجد أنّه يعتبر محمد خليفته ووريثه على عرش الكوميديا. مثلاً قبل 20 عاماً، أشرك إمام كل من محمد هنيدي والراحل علاء ولي الدين في أدوار صغيرة. وحقق كل منهما نجاحاً جماهيرياً ضخماً، وصارا من نجوم الشباك. وهو أيضاً الذي قدم أحمد مكي في فيلمه "مرجان أحمد مرجان" قبل أربع سنوات. وبعدها، انطلق مكي محققاً نجاحاً استثنائياً في الكوميديا، بل إنّ إيرادات أفلامه أصبحت تنافس بقوة إيرادات أفلام عادل إمام!


على الجانب الآخر، منح عادل الفرصة لابنه محمد في فيلمي "عمارة يعقوبيان" و"حسن ومرقص". ولم يستطع محمد أن يثبت نفسه كنجم ذي جاذبية جماهيرية بعيداً عن الأب. إذ لعب بطولة فيلم "البيه رومانسي" من دون أن يحقّق إيرادات ملموسة في شباك التذاكر. وحتى كتابة هذه السطور، لم يستطع عادل أن يجعل ابنه نجماً جماهيرياً وأظنه لن يستطيع!!
لدينا المخرج إسماعيل عبد الحافظ الذي يعتبر واحداً من أهم مخرجي الفيديو في العالم العربي. لو راجعت أسماء النجوم الذين بدأوا خطواتهم الأولى في الشاشة الصغيرة، سوف تكتشف أن بداية الانطلاق بدأت مع أحد مسلسلات إسماعيل عبد الحافظ مثل منى زكي، وكريم عبد العزيز، وياسمين عبد العزيز. بعدها صاروا نجوماً محققين نجاحاً ملفتاً على الشاشة الكبيرة. مع ذلك، فإنه لم يستطع أن يحقق مع ابنه محمد عبد الحافظ أي نجومية رغم أنّه كان "راكور" ثابتاً في مسلسلاته يمنحه دوماً دور البطولة... لكن كان للناس رأي آخر!


للناس دوماً "ترمومتر" خاص لا يعترف بتوريث الفن. مشاعرهم قد تتوجه لفنان من دون معرفة الأسباب. الكل يختار من دون وساطة الأب أو الأم. والسؤال هو: هل يكذب الأب على نفسه حين ينحاز لابنه؟ الحقيقة أنّ الأب يرى عادة أنّ ابنه موهوب ولا يعيبه سوى أنه ابن فلان أو فلانة. أتذكر مثلاً أنّ فريد شوقي كان شديد الحماس لابنته رانيا وأنتج لها فيلم "آه من شربات". أيضاً، تحمّس محمود ياسين لابنته رانيا، وأنتج لها فيلم "قشر البندق". ولم يستطع لا فريد ولا محمود أن يضعا ابنتيهما على الخريطة الفنية السينمائية، وقد بات تواجدهما مقتصراً فقط على التلفزيون!
لماذا نجح دويتو "الناس الرايقة" لأنّ الناس صدّقوا الكيمياء الخاصة بين رامي عياش وعدوية الأب، بينما كانت مفقودة في حالة عدوية الأب والابن. بالتأكيد لو أنّ الجينات الوراثية كانت الفيصل، لكان النجاح من نصيب عدوية وابنه. لكنّ الكيمياء الفنية كانت مفقودة، فضاع دويتو "المولد" ولا يزال الشارع العربي يردد بحبّ "الناس الرايقة اللي بتضحك على طول... أما العالم المتضايقة أنا لأ ماليش في دول".