تبدو لجين هادئة، وحيوية وذات أفكار متواترة في آنٍ واحدٍ. قليل جداً من الفتيات السعوديات يمتلك كاريزما لجين سعود في الحديث بشفافيةٍ وعفويةٍ إلى الإعلام وإن كانت شعرت بالتردد في ذكر اسمها هنا، كفتاةٍ سعوديةٍ عاطلة عن العمل منذ تخرجها منذ أربعة أشهر أو ما يزيد.
عندما بدأت البحث عن فتاة سعودية عاطلة تريد كتابة جزء من قصتها في يوميات نقصها هنا في "أنا زهرة"، اختفت الكثير من الفتيات اللواتي أعرفهن شخصياً ولم يجدن عملاً بأي شكلٍ من الأشكال وتحت أي قسمٍ من الأقسام، اختفين لسببٍ واضح: خوفهن من الحديث على أنهن عاطلات!
إحدى تلك الفتيات زميلة نشيطة جداً كانت تعمل في أنشطةٍ تطوعيةٍ وعُرضت عليها وظائف كثيرة – على حد قولها لي- أثناء دراستها الجامعية، لكنها الآن تعاني مرارة عدم وجود عمل إلا بعد انتزاع وجه الكرامة باسم الواسطة.
زميلة أخرى بعيدة بعض الشيء عنّي، عملت في صحيفة إلكترونية مجاناً ثم اختفت بعدما التهمت تلك الصحيفة حقوقها المادية. وفي النهاية سمعت أنها ستغادر مدينة جدة من أجل إكمال الماجستير في جامعةٍ ما.
بالعودة للجين، قد لا تبدو لجين فتاة خارقة مثاليةً للغاية كي يتم توظيفها فوراً، لكنها بكل تأكيد تعكس نموذج معظم الشابات السعوديات اللواتي يتخرجن من الجامعات ويردن تحقيق ذواتهن بالعمل في ميدان أو حقل قريب لتخصصهن الجامع ي،أي أنها فتاة متوسطة الذكاء، جميلة معنوياً وشكلياً. ما زالت آنسة، في حين تتصف لجين أيضاً بالاندفاع والحماس والرغبة في إضافة شيء مميز لأي مكانٍ توجد فيه، ولا يهم إن كانت الإضافة رائعة أو سلبية لكن المهم أنها ستضيف شيئاً ما.
تقول لجين لـ "أنا زهرة": كنت سعيدةً جداً، أحلّق بين السحاب حينما أمسكت وثيقة تخرجي بين يدي، حيث كتب بالخط العريض: بكالوريوس آداب في تخصص الإعلام. هكذا قلت لنفسي إنني بت على قاب قوسين أو أدنى من تحقيق ذاتي والاستقلال المادي والمساهمة في الحياة.
تصمت لجين ثم تكمل حديثها بسرعةٍ بالغة وحيوية: في البداية لا أخفيكِ سراً، نعم أردت الحصول على راحةٍ كبيرةٍ بعد مشوارٍ شاقٍ من الدراسة الجامعية. وشعرت أنها إجازة هدية قدرية لي. لكن منذ أن دخلت الشهر الثاني على جلوسي في المنزل، بدأ الخوف يتسلل لعيني وقلبي وشهادتي المحفوظة في الدرج بعنايةٍ.
بدأت أستمع لشكاوى صديقاتي، اللواتي تخرجن معي بقدمٍ واحدةٍ وشاركتهن فرحة التخرج. وبدأت أراهن يخرجن كل يومٍ للبحث بجدٍ عن العمل والبحث والبحث وارسال السير الذاتية إلى كل شركةٍ وكل وظيفةٍ مقترحة. كل ذلك جعلني أفكر فعلياً وأشعر برغبةٍ في نسيان كل ذلك وإكمال اجازتي ثم البحث الجاد عن العمل بعد ذلك.
نهاية الأعياد وبداية الحياة الحقيقية
كمعظم الفتيات في السعودية، تخرجت لجين في شهر شعبان ووضعت لنفسها مدة رمضان كإجازة. ولذلك فإن نهاية عيد الفطر هو المحك الرئيسي لبداية عودة عجلة العمل والدراسة وبداية الاصطدام الفعلي بواقع البطالة بالنسبة لكثير من العاطلين والعاطلات.
في العاشر من شوال تقريباً وهو الذي يقارب بداية يوليو الماضي، قررت لجين أن تخرج للبحث عن عمل مع صديقتها المقربة لها، فطبعت سيرتها الذاتية بأناقةٍ وارتدت أجمل ما عندها، ثم جهزت نفسها للحديث عن مشروع تخرجها وأخذت جزءاً منه وأوراقه معها، واتجهت إلى مدرسةٍ خاصةٍ في الحي الذي تقطن به.
تقول لجين: لم يكن هنالك من مكانٍ محدد لي أو لصديقتي، لكنني نظرت إلى مشروعي الخاص في التخرج الذي كان حملة إعلامية تتحدث عن صعوبات التعلم. وفكرت أن حقل التعليم سيكون مناسباً لنا. لذا، دخلنا المدرسة مبتسمتين ومتوشحتين بالأمل والحماس، لكنني صدمت كثيراً.
لم يكن هناك أي استقبالٍ يوحي لي بأنّ هنالك توجّهاً للتوظيف. لم تكن هناك مقابلة فعلية بالأساس وأمضينا في المدرسة عشر دقائق فقط، تحدثوا فيها معي عن مشروعي للتخرج، وركزوا كثيراً على الخبرة الطويلة وعن مقومات الفتاة التي يجب أن تعمل لديهم. وفي النهاية ابتسمت لي ابتسامة صفراء وقالت لي الكلمة السحرية للتخلص من العاطلين والعاطلات: سنتصل بك لاحقاً!
ولم تتصل تلك السيدة أبداً!
شهران وأكثر
تصمت طويلاً لجين لكنها تبدو مرحة بالرغم من كل شيء: لا أخفيكِ أنني أحبطت فعلاً وأنا انتظر. لكنني قرأت في الانترنت عن وظيفة تسويق مكتبي يوفرها أحد المراكز التجارية، فطبعت نسخة أخرى من السيرة الذاتية، وتوجهت صباحاً إلى ذلك المكان.
تفاجأت أن التسويق المكتبي كان بالهاتف، وهذا يعني أنني قد أتعرض لمضايقات مستمرة من الرجال، وأن عليّ توسّل العملاء من أجل أن يستمعوا إليّ أو حتى لفكرة المنتج أو المكان. لم أشعر بالراحة وخرجت وأنا محبطة بالكامل. بعد ذلك، ازداد الأمر سوءاً وأنا أستمع لصديقاتي. إحداهن كانت ترسل كل يوم سيرتها الذاتية لكل الشركات الموجودة في جدة، تتصل بكل وسائل التوظيف المتوافرة من أجل أن تعمل، فقد ملت جلوسها في المنزل فعلاً، لكنها في النهاية وجدت وظيفة في استديو تصوير. مما دفعني للتوقف عن البحث عن عمل في الكلية. وقبل مدة، قررت جازمة أن أتقدّم للابتعاث الخارجي من أجل إكمال درجة الماجستير خارج الوطن ولم أعد أهتم بفرص البحث عن عمل هنا، لأنني أصبحت متأكدة أن الفرص ضئيلة ومحجوزة مسبقاً لمن تحمل "واسطة" فقط.
أعمال منزلية
تنظر لجين إلى يديها وتفركهما قليلاً وتقول: أعمال منزلية طوال الوقت!
هذه اجابتها على سؤالي عن كيفية تمضية يومها خلال كل تلك المدة التي بقيت فيها في منزلها بعد تخرجها، تكمل لجين لـ "أنا زهرة": كل يوم، أقوم بالأعمال المنزلية المعتادة وأعتني بأخوتي أيضاً، وذلك بالمشاركة مع الخادمة التي تأتي في أيام متفرقة في الأسبوع، وكل ذلك من أجل تمضية 24 ساعة طويلة جداً. نعم أشعر بإحباطٍ كبيرٍ بعد أن يكون للفتاة مجتمعها، أن تكون فتاةً نشيطة لها علاقاتها الإنسانية في كل مكان وتضحك مع أناسٍ جددٍ كل يومٍ، تصبح في حلقةٍ مفرغة تكرر نفسها كل يوم. ومن أكثر الأشياء بؤساً أن الأشخاص الذين يحيطون بالعاطل أو العاطل يسببون له الإحباط أيضاً بطرح أسئلة مختلفة عن الوظائف وعن التوظيف في حين أنهم لا يسهمون فعلياً في مساعدتك.