«سأخرج بعد قليل لأنني أحتاج للذهاب إلى مكان مجاورٍ. لذلك حدثيني على الهاتف وأنا أقود السيارة».
هكذا أنقطع حديثي مع غادة، الشابة السعودية الرقيقة والجادة جداً التي كانت تحكيني من أميركا. بعدما أمضينا نصف المكالمة على الحاسب، أخبرتني أنها بحاجة للخروج وإكمال المكالمة هاتفياً بالنقال.
حال غادة غنيم، كحال معظم الفتيات السعوديات المبتعثات في الخارج. تقود سيارتها يومياً إلى مقر الجامعة حيث تحضر درجة الدكتوراه، وتقضي أمورها متنقلةً بين أرجاء المدينة مستغلة أوقات الفراغ بين الترفيه البريء والدراسة وقضاء حاجيات الحياة الضرورية، بالطبع من دون الحاجة إلى أحدٍ أو طلب مساعدة من شخص.
تبدو غادة نشيطة، تريد أن تصنع قراراً في مجتمعها. من يقابل غادة لأول مرة سيعلم جيداً أنها ولدت من أجل أن تكون جزءاً من التغيير في الحركة التطويرية. تقول لـ «أنا زهرة»: في عام 2006، كنت قد بدأت دراسة الماجستير في جدة. في أحد الايام، كنت أتصفح بريدي الإلكتروني ووجدت إيميلاً من شخصٍ ما تحت عنوان «انشر تؤجر». لا أعلم لماذا فتحت الإيميل ذلك اليوم على غير العادة. وكان موضوعه عجيباً. أورد أنّ هنالك بعثات حكومية وأرفق الإيميل بموقع إلكتروني. وبالفعل تسللت بفضولٍ وسجلت وأكملت بياناتي ثم قمت بطباعة ورقة الضمان المالي وفي النهاية عرضتها على والدي الذي ذهب وتأكد بنفسه من حقيقة الأمر، وهكذا أنهيت إجراءاتي كلها... إلى أميركا!
اليوم الأول في الوطن الجديد
مشاعر تنبض بالحماس. رغبة في اكتشاف كل جديدٍ، والتمرغ بالتجارب كلها والتقلب فيها بفضول.
هكذا شعرت غادة عندما وصلت إلى أرض الحرية. لم تكن خائفة بقدر ما كانت تريد الاستمتاع بالتجربة الجديدة ربما لأنها عاشت في أميركا زمناً سابقاً، وربما لأنها أرادت تلك التجربة بالفعل. تقول غادة: «كان اليوم الأول في واشنطن العاصمة. أنهيت أوراقي في الملحقية السعودية هناك. وبعد ذلك، حلّقنا إلى ولاية أخرى حيث بقيت لدراسة الماجستير مع أخي الذي يصغرني بأعوامٍ». وتضيف: «كان الأسبوع الأول شاقاً. أن ترى الآخرين يعودون إلى منزلهم وأنت بلا منزل. نعم كنت أشعر بالخوف من فكرة بقائي في الفندق مع أنه كان أسبوعاً واحداً فقط. ولحسن الحظ أنّ والدتي كانت معنا حينها وبقيت لمدة شهر هناك. أثثنا المنزل سوياً وبعدها شعرت بالأمان بأن يكون لنا منزل أخيراً.
سنة أولى ماجستير
تقول غادة: «في المحاضرة الأولى، كان هناك تخوف من المتطلبات ومن الرغبة في التحدي والنجاح في هذا التحدي. ولكن لم يمضِ الأسبوع الأول إلا وانخرطت تماماً في المجتمع الأكاديمي الأميركي وأحببته وانسجمت معه تماماً. في أميركا ليس هناك سائق أو «بابا» قد يعتني بكِ ويعطيكِ ويدللكِ ، ستحتاجين أن تنتقلي وتوضبي أغراضك بنفسك وأن يُرمى بكل شيء على عاتقك. في بعض الأوقاتٍ كنت أبكي كثيراً من التعب، لكنني أنهض وأنا كلي فخر بكامل الاعتماد على نفسي».
العودة إلى أرض الوطن
في 2009، توجّت غادة بعثتها بحصولها على شهادة الماجستير، وكانت مشتاقةً وسعيدةً، وتريد أن تحضن تراب الوطن الممزوج بدفء العائلة.
وعلى عكس ما توقعت غادة، فإن معظم الأبواب المفتوحة أوصدت أمام شهادتها المتخصصة التي بذلت وقتها وجهدها والكثير من الغربة للحصول عليها. وتصف ذلك غادة: «أصبت بإحباط. سبعة أشهر في المنزل بسبب عدم توافر الوظائف التي تليق بشهادتي. سبعة شهور توصد الأبواب الكبرى أمامي. والأكثر غرابة أن كل تلك الأبواب التي أوصدت، ينقصها الكثير من الاحترام للآخرين، وكنت أتساءل: لهذا تركت الوطن. راسلت كل الأماكن المتاحة، حتى الشركات التي لا توظف النساء هنا. كان لدي أمل بها أيضاً.
وفي النهاية عملت في شركة أجنبية. وكانت تلك الشركة مبتدئة وتتعثّر بأخطاء إدارية طفيفة. وبعد فترةٍ ليست طويلة، أتت الفرصة لتقديم أوراقي من جديد لمرحلة الدكتوراه. وكنت أريد أن أنخرط في الفرصة سواءً أتممتها أم لا».
وعادت غادة إلى أميركا
«كنت ساخطة منذ أن درست البكالوريوس في جدة. وكان هذا السخط يكبر يوماً بعد يوم لعدم قبولي في قسم طب الأسنان».
هكذا قصت لي غادة كيف عادت مرةً أخرى إلى أميركا بعدما قضت 11 شهراً في ربوع البلاد فقط. قالت لي بعدما أخذت نفساً عميقاً: «الأمر يتعلق بأمورٍ كثيرةٍ جداً. عندما كنت أدرس البكالوريوس، سخطت ونقمت وغضبت لأنه لم يتم إنصافي. ثم كانت خيرةً لي أن أدرس التصميم الداخلي مع صديقاتي. وعندما عدت إلى الوطن بعد إتمام درجة الماجستير، شعرت أيضاً بالسخط كونه لم يكن مستعداً بعد لأحلامي وشهادتي. ولذلك قررت أن أعد حقائبي مرة أخرى وأبدأ بالعمل لأحقق حلمي بأن أكون «الدكتورة غادة». تزامن ذلك مع سوء الظروف في العمل مما ساعدني في اتخاذ هذا القرار وحسم الأمر وتقديم الاستقالة. عندما اتصلت بي وزارة التعليم العالي من أجل التأكيد على بعثتي، أعطوني مهلة شهرين من أجل العودة إلى أميركا. هكذا في غضون أربعة أيامٍ فقط -لأنني كنت مستعدة نفسياً للعودة -عدت إلى أميركا مرةً أخرى.
وما لا يعرفه الكثيرون أن قرار العودة كان أصعب علي نفسياً وفكرياً من قرار دراسة الماجستير في المرة الأولى، لأنني بدأت أفكر أن دراسة الدكتوراه قد تجعلني من الأشخاص الأكثر تعليماً في سوق العمل، وقد أنحصر أكاديمياً لمدة طويلة جداً.
ولكنني حسمت أمري خصوصاً مع تواجد صديقتي رندا التي ترافقني أينما ذهبت في أميركا، حتى في دراسة المواد والاستذكار».
وتختم غادة حديثها مع «أنا زهرة» قائلةً: «أدرس الآن تحليل الصراعات. هذا التخصص غيّر أشياءً كثيرةً في شخصيتي. وهو يجعلني أنظر بمنطق إلى المشكلات وتحليلها، ولم أعد أغضب كالسابق من بعض المشكلات السطحية. ولدي رغبة كبيرة في العودة إلى الوطن وأنا غادة مختلفة، أكثر تعليماً وأكثر استعداداً لكل شيء».
للمزيد:
صور:النجمات "قبل وبعد"... في الأفلام
فيديو:ماذا قال صنّاع «18 يوم» عن الفيلم؟