هل شاركت شريهان في الثورة لأسباب شخصية أم وطنية؟ المؤكد أنّ ما حرّكها مع بدايات الثورة هو حبّ مصر. حتى أنّها تمنت ألا تكون مصابة بالمرض لتتبرّع بدمها لشباب الثورة المصابين.
أعتقد أنّ شريهان كانت تملك تلك المشاعر الإيجابية تجاه الثورة كي تشارك في أكثر من تظاهرة في ميدان التحرير. وأكثر من مرة، كانت تصطحب معها ابنتها. إلا أنّ البعض يحاول أن يستغل تواجد الفنانة المصرية في الميدان لنسج قصص وهمية عن ثأر قديم بينها وبين عائلة مبارك لأنّ سوزان رفضت أن يتزوج جمال من شريهان قبل أكثر من عشرين عاماً. شريهان نفت ذلك رسمياً على لسان مدير مكتبها في بيان رسمي. إلا أنّ اسمها عاد من جديد مع شائعة تعرّضها للتحرش، وهو أيضاً ما نفته شريهان. أما آخر الشائعات فهي واحدة إيجابية هذه المرة لكن غير حقيقية وهي أنّ لديها أكثر من مشروع فني تلفزيوني ومسلسل ديني عن "رابعة العدوية" وآخر اجتماعي باسم "سندريلا".
ورأيي الشخصي أنّ الخبرين عاريان من الصحة. شريهان لن تعود إلى التمثيل. صحيح أنّها لم تعلن اعتزالها رسمياً، لكنها لم تشارك في أي عمل فني منذ 13 عاماً، وأظنها لن تشارك أيضاً في القادم من الأعمال الفنية. آخر فيلم لعبت بطولته كان "العشق والدم" للراحل أشرف فهمي وعرض في مهرجان الإسكندرية السينمائي قبل نحو 12 عاماً. وحصلت شريهان يومها على جائزة أفضل ممثلة ولم تحضر لتسلّم جائزتها. إذ كانت قد أصيبت بالمرض في الأسبوع نفسه، وأرسلت كلمة للمهرجان تعتذر فيه عن عدم الحضور، وترجو الدعاء لها لتعبر محنة المرض. واستلم الجائزة زوج شقيقتها في تلك السنوات المخرج كريم ضياء الدين.
الفنان الذي ينسحب بهدوء من دون صخب هو حالة خاصة. لكن من تجاربي وخبرتي، فإنّ مَن لم يعلن انسحابه، يظل دوماً يتطلع إلى دور ما. وكلما طال الغياب وازدادت المسافة بينه وبين ممارسة الفن، يداعبه الأمل في العودة. لكنّه في النهاية لا يعود. نجلاء فتحي على سبيل المثال لم تعلن أبداً انسحابها، وكثيراً ما يتردد اسمها في مشاريع فنية ثم تعتذر عنها. نادية لطفي سبقت نجلاء في اختيار أسلوب الانسحاب من دون إعلان. وهو ما يزيد من توقّع الجمهور بالفنان العائد بعد غياب. إلا أنّ الناس ينتظرون أن يروه كما شاهدوه قبل الاختفاء.
هل نحن نحبّ الفنان كما هو الآن أم أنّ الصورة الذهنية التي رسمناها وتراكمت هي التي تدفعنا كي نستعيدها مرة أخرى؟ الحقيقة أنّ لدى الجمهور ملامح للفنان تتغيّر من عمل فني إلى آخر. وكلما طالت الفترة الزمنية الفاصلة بين عمل فني وآخر، يصبح الأمر أشد صعوبة. الناس يفضّلون أن يحدّدوا هم الملامح ولا يرحّبون عادةً بتغيير لم يكونوا شهوداً عليه.
تظل شريهان من وجهة نظري حالة استثنائية على خريطة الفن. فهي في جيلها تمتّعت بثلاث ميزات: الأولى أنّها تملك موهبة الاستعراض، وكانت الفوازير التي قدمتها مع المخرج الراحل فهمي عبد الحميد على التلفزيون المصري واحدة من رصيدنا الاستعراضي الذي لا ننساه. الميزة الثانية أنّها نجمة شباك. فالكثير من الأفلام والمسرحيات صُنعت من أجلها وحققت إيرادات ضخمة. ثالثاً، قدرتها على الأداء الكوميدي. عندما تشارك مع كوميديان مثل عادل إمام، لا تصبح مجرد نجمة حسناء بل تصير قادرة على الأداء الكوميدي. وهكذا شاهدناها على المسرح مع فؤاد المهندس (سك على بناتك) أو فريد شوقي (شارع محمد علي).
شريهان تستحق التكريم رغم قصر المرحلة الزمنية التي كانت فيها داخل البؤرة. بدأت مشوارها وهي طفلة في العام 1975 حتى احتجابها في السنوات العشر الأخيرة أي أنّنا نتحدث عن ربع قرن من العطاء الفني.
في الأعوام الأخيرة، اكتشفتُ وجهاً مميزاً لم أكن أعرفه عن شريهان، ولا أتصوّر أنّ القراء يعرفونه هو أنّها تتمتع بروح أدبية في صياغة الرسائل وأيضاً بمفردات خاصة بها. عندما ألمّت محنة المرض بالمسرحي الكبير سمير خفاجة، كتبت لي رسالة تشعّ حباً لهذا الرجل بصياغة أدبية رائعة استأذنتها في النشر كما يقضي العرف الصحافي لأنّ هناك دائماً مساحة بين الخاص والعام. هي كتبت الرسالة ليس باعتباري صحافياً لكنّها أرادت أن تكتب مشاعرها عن سمير خفاجة، فخصّتني بتلك الرسالة. إلا أنّني عندما استأذنتها، رفضت أن أنشر. قالت لي إنها كتبتها فقط كي أقرأها.
هل تعود شريهان لممارسة الفن؟ ظني أنّها لن تعود. هل غادرت الفن؟ لا هي غادرته ولا هو غادرها لكنها لن تعود رغم أنّها تتوق إلى العودة، وسوف تكتفي بهذا الرصيد الذي يؤكد على تفرّدها.