لا يخفى على أحد أنّ النماذج والمواقف السلبية التي تقدّمها الأعمال الفنية، سواء في التلفزيون أو السينما، ذات فعل أكبر من تلك الايجابية، على المجتمع. إذ ينعكس أثرها السيء على عامة الناس. ويعتبر الكثير من علماء النفس والاجتماع أنّ الفن يلعب دوماً دوراً في انتشار حالات الفساد والجريمة والمخدرات وغيرها. أما السبب، فيكمن غالباً في الطريقة التي تُعرض بها تلك القضايا.
وخلال الموسم الرمضاني، التقى مسلسلان مختلفان على تصوير الجريمة، بشكل جعل المشاهدين يتعاطفون مع مرتكبيها اللذين لم ينالا عقابهما، ويصفقون لأدائهما أيضاً. المسلسل الأوّل هو «مع سبق الاصرار» من بطولة المصرية غادة عبد الرازق التي تؤدّي دور محامية شهيرة تنتهج أساليب غير سليمة لتفوز بالقضايا التي تتولى المرافعة عنها.
ثم يدخل إلى حياتها زياد الرفاعي الذي يجسّده الممثل ماجد المصري، فتكتشف أنه تزوجها كي ينتقم منها، بسبب دورها في طلاقه من زوجته الأولى، وطلبها منها أن تجهض الجنين. وتكتشف أن زياد قتل ابنها كوكي البالغ ست سنوات بالسم، وسلّط على ابنتها شاباً يملك نوايا خبيثة... هنا تقرر الانتقام منه، وتخطط كي تلصق به جريمة قتل زوج ابنتها هادي. تسرق ملابسه، وتستأجر شبيهاً له كي يظهر في كاميرا المراقبة الموجودة في المبنى الذي يسكن فيه هادي. ثم تقوم بتعطيل الكاميرات، وتذهب هي وتذبح هادي بالسكين. هكذا يتم إلقاء القبض على زياد الرفاعي، وترافع غادة ضده، ليصدر عليه حكم الاعدام .
المثير للانتباه أن المشاهدين أبدوا إعجابهم بنهاية المسلسل، وبأداء غادة عبد الرازق في دور المحامية فريدة الطوبجي، بغضّ النظر عن لجوئها إلى أساليب غير نظيفة في مهنتها. واعتبروا أنّ ما حصل هو نهاية عادلة لزياد الرفاعي، من دون الالتفات الى الجريمة التي ارتكبتها بطلة المسلسل، وبقيت بلا عقاب. بل بدت الأخيرة بريئة في نظر المشاهدين، بحجّة أنّها قامت بالثأر لعائلتها التي دمرها زياد الرفاعي. وكل ذلك يشكّل إساءة إلى القضاء، ودعوة إلى المواطن العربي كي يأخذ حقه بيده، بما أن المؤسسة القضائيّة عاجزة عن ذلك.
أما الممثلة السورية نظلي الرواس، فأدّت ببراعة دور مرفت في مسلسل «بنات العيلة».
لقد حقّقت نظلي اطلالة ناجحة هذا العام، رغم قسوة الشخصية التي قدمتها. مرفت إمرأة ثرية يسكنها الشرّ والحقد والعجرفة والتعالي، لكنّها ضعيفة أمام الرجل الذي تزوجها ليستر ماضيها ذا العلاقات المتعددة. البطلة المتسلّطة كانت تتعرض للضرب على يد زوجها، ثم سرعان ما يسترضيها كي يأخذ منها مزيداً من المال... إلى أن تكتشف أنه متزوج عليها، فيقع بينهما شجار ويطلقها. حين يهمّ الزوج بالخروج من المنزل، تأخذ مسدسه وترديه قتيلاً. وفي اللحظة نفسها، تبعث برسالة قصيرة من هاتفه إلى ضرتها، طالبة إليها على لسان القتيل أن تأتي إلى بيته لأنه طلّق مرفت. وتضع المسدس قربه وتفرّ هاربة. تصل الزوجة الثانية، وتطبع بصماتها على المسدس المرمي، لتصبح هي القاتلة. ويصدر بحقها حكم الإعدام، فإذا بمرفت تزورها في السجن، خلال الحلقة الاخيرة، وتتلذّذ بانتصارها فيما السجينة تتوسّل إليها أن تنقذها من حبل المشنقة.
ورغم قسوة المشهد، وبقاء القاتلة حرة طليقة، فيما ضرّتها البريئة تدفع غالياً ثمن جريمة لم ترتكبها، نلاحظ أن الجمهور أعجب بهذه النهاية، وتعاطف مع مرفت التي رأى فيها ضحية استردت حقها بالقتل. أليس في مثل هذه الأعمال تحريض على تجاوز العدالة، وترويج لـ «القتل العادل»؟ لماذا لم نسمع أي اعتراض من المجتمع المدني، والمؤسسة القضائيّة على هذا الخطاب الاشكالي؟