السفيرة حصة العتيبة: ليس هناك سر للنجاح
لا يوجد وصفة ولها مقادير واضحة للنجاح، النجاح عملية مستمرة تحتاج لشغل يومي، تستلزم تحديث الذات ومحاكمتها والإضافة لمهاراتها، وقبل كل شيء "الإيمان بما نقوم والاقتناع بأهمية وضرورة ما نفعل".
حين يتعلق الأمر بالنجاح فهذه هي وجهة نظر سعادة د.حصة العتيبة سفيرة دولة الإمارات في إسبانيا منذ العام 2008 وسفيرة فوق العادة في دولة الفاتيكان وسفيرة الدولة لدى ولاية أندورا.
إن ما تجسده العتيبة ليس مجرد قصة نجاح ضمن مئات القصص للنساء في دولة الإمارات، بل إنها ذات تجربة لها نكهة خاصة وفيها الكثير من الفرادة، فالعتيبة متزوجة أيضاً من سفير الإمارات في إيطاليا سعادة عبد العزيز الشامسي، وهي أم لستة أبناء أيضاً، ويمكن القول إنها عاشت معظم حياتها متنقلة بين مدن مختلفة من العالم. كما أنها شغلت وظائف متعددة المجالات.
نحن أمام سيدة منهمكة فعلاً بمشروع يستغرق حياتها، منهمكة بالتعبير عن بلادها وتمثيلها أينما اتجهت، لذلك تحرص على التجدد واكتساب المهارات بدءاً من إتقان الإنجليزية والإسبانية والبرتغالية والفرنسية وصولا إلى الحصول على ماجستير "الإدارة بالكمبيوتر"، وتقلد مناصب مختلفة فمن قطاع التعليم ثم العمل في مكتب الأمم المتحدة الإنمائي، ثم دائرة التخطيط والاقتصاد في أبوظبي، وكانت مسؤولة في نيويورك عن تقنية المعلومات في «منتدى المرأة العالمي» وفي «جمعية زوجات الدبلوماسيين للأمم المتحدة».
إليك الحوار الذي جمع سعادة السفيرة حصة العتيبة برئيسة تحرير موقع "أنا زهرة" الإعلامية هلا القرقاوي في مكتبها بسفارة دولة الإمارات بمدريد:
-منذ العام 2008 وحضرتك تعملين سفيرة دولة الإمارات في إسبانيا. ماذا تفيد حقا مشاركة المرأة السياسية في الدولة؟ وما أهمية تمكين النساء من هذه المواقع على الرغم من قلتهن فيها
هذا يعتمد على كيف ننظر ونفسر مواقع القرار، فالمرأة الإماراتية كانت دائما وقبل تأسيس الاتحاد صانعة قرار في بيتها. طبيعة الحياة الاجتماعية وطرق كسب العيش اليومية وضعتها في هذه المكانة. فالإماراتية كانت امرأة يسافر زوجها في رحلات طويلة بحثا عن صيد اللؤلؤ،رحلات قد تستغرق شهوراً، وهي كانت تعمل أيضا في تصنيع مواد مختلفة من منسوجات وغيرها لتؤمن دخلاً إضافياً للأسرة، فهل هذه المرأة ليست صانعة قرار؟ بلى هي صاحبة دور اقتصادي واجتماعي وهي من تدير العائلة وشؤونها. لكن بعد الاتحاد تطورت مشاركتها وأُضيف إلى دورها الجوهري في صناعة الإنسان الإماراتي المنتمي الناجح، فأجيال اليوم هم أبناء هؤلاء الأمهات البارعات.
ومنذ قيام الاتحاد أسست "أم الإمارات" سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك الاتحاد النسائي العام، وهنا بدأت مرحلة جديدة من التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي في بناء الدولة الإماراتية الحديثة، فكفل لها القانون حق التعليم والعمل والتدرج الوظيفي ..إلخ
-ماذا عن دورك كسيدة في موقع قيادي حساس ومرتبط بالتواصل مع الآخر في تغيير الصورة النمطية عن المرأة العربية ؟
حين عينت في إسبانيا كنت أول سفيرة عرببية هنا في مدريد، ثم عينت سفيرة السودان، أذكر لقائي لأول مرة بالبابا بنديكتوس السادس عشر والأثر الطيب الذي يتركه تعيين المرأة لتمثل بلادها ودولتها وكيف أنه اعتبر بلادنا نموذجا للمساواة والتعايش والتسامح بين الأجناس والأعراق والأديان. كما أن وجود النساء في مواقع كهذه يساعد في تغيير الصورة النمطية وتخليص صورة المرأة العربية والمسلمة مما لحق بها من تجنٍ من قبل وسائل الإعلام.
-دعينا نتحدث عن حصة العتيبة الأم لستة أبناء. ما تأثير منصبك وغيابك وانشغالاتك على علاقتك بأبنائك؟ فأنت متخصصة بالإدارة فكيف تديرين عائلتك؟
حين تم اختياري للعمل كسفيرة وجدت دعما كبيرا من زوجي، ولكني جمعت أبنائي وشاورتهم وسألتهم عن رأيهم، فوجدت منهم التشجيع والفخر بأنني سأمثل بلادي كسفيرة في إسبانيا. لم أغفل دوري الأساسي في يوم من الأيام، فمهمتي الأساسية كانت ومازالت بناء أبنائي وتأسيسهم مثل أي أم إماراتية ليكونوا صالحين كمواطنين يخدمون بلادهم ومجتمعاتهم وينجحون في حياتهم. الاستقرار في حياتي والانسجام بيني وبين عائلتي وأبنائي والوضوح والتعاون عوامل دفعتني في عملي وساعدتني في تحقيق متطلبات عملي على أكمل وجه.
-و ماهو إذن التحدي الأكبر الذي تواجهه العتيبة في عملها؟
الحياة من دون تحديات مملة، والنجاح لابد أن يتبعه صعوبات ثم نجاح وهكذا. وبرأيي إن على الإنسان إيجاد تحديات يومية كل يوم لنفسه، وفي الحقيقة إنها صعوبات تختلف من يوم لآخر بحسب المكان والزمان والظرف. السقف البسيط آماله محدودة وكل ما رفعنا سقف الآمال رفعنا سقف النجاح. على سبيل المثال أجد من أهم مهماتي تغيير الصورة النمطية عن المرأة العربية، وأخدم بلادنا في هذا المجال من خلال أنشطة ثقافية مختلفة وفعاليات أبرز فيها دور المرأة الإماراتية المبدعة في أي مجال المخرجة والمثقفة الشاعرة والقائمة تطول.
-اخترت دراسة الإدارة بالكمبيوتر، وأنت خبيرة تقنية المعلومات. ما أهمية تخصص المرأة في هذا المجال، خاصة الآن في عصر العولمة، وما ضرورة ذلك لتمكينها سياسيا وثقافيا واجتماعيا؟
اعتقدت دائما ومازلت أن على المرء رجلا كان أم امرأة أن يعرف قدراته، وماذا يحب ثم يدرس كيف يمكن أن يطور هذه القدرات. وأؤمن أن الإنسان يجرب في الحياة وقد يكتشف بمرور الوقت اهتمامات أخرى ودراسات أخرى تهمه في الحياة. ولا أعتقد أن هناك تخصص يساعد في تمكين المرأة أكثر من الآخر، المهم أن تحب ما تدرس وأن تبرع فيه وتتقن عمله وتبدع وتواصل التقدم.
-أنت أيضاً زوجة لسفير الإمارات في إيطاليا. دعينا نلقي الضوء قليلا على السفيرة زوجة السفير والحياة التي تحملانها في الحقيبة ماهي تحدياتها وظروفها ميزاتها وعوامل نجاحها؟
"أبو سعود" أعطاني الكثير، الدعم النفسي والمعنوي الذي منحني إياه كان سببا في التركيز على النجاح. أساس نجاح حياتي الزوجية هو التفاهم والاقتناع بأهمية ما أقوم به هنا ويقوم به هو هناك في تمثيل وخدمة بلادنا.
وحتى حين لم أكن سفيرة كنت أشعر أنني كزوجة سفير فإن لدي التزام تجاه بلادي أكثر في كيف أقدمها وكيف أمثلها. وأنا أقول دائما للطلبة الذين ألتقي بهم أن عليهم أن يتذكروا فما أن تخرج من بلادك تصبح سفيرا لها، تمثل دينك ووطنك وعروبتك.
-ماهي أهم صفة على المرأة القيادية أن تتحلى بها؟
الإيمان بما تفعل الاقتناع بأنها تقوم بشيء ضروري ومهم. ثم من نوع الهدف توجد طرق تنفيذه.
-هل للنجاح وصفة معينة، ماهي مقاديرها إذن؟ ما هي الثلاثة أو الأربعة أمور التي نحتاجها ولا غنى عنها؟
معرفة حجم قدراتنا أولاً ثم التحصيل الأكاديمي الذي يخدم ويؤهل هذه القدرات، ثم الإيمان بالعمل والتركيز على الثوابت وتحمل المسؤولية والقدرة على اتخاذ القرار والتراجع عنه عند اللزوم، وعدم الانعزال عن العالم والتعرف على كل جديد.
-أصبح للمرأة الإماراتية حضورها الملموس في العالم، هي امرأة صاحبة أثر خاصة في منطقة الخليج وقد يكون ماوصلت إليه مطمحا للنساء في العالم...لكن ما هو التحدي القادم للمرأة الإماراتية؟
لا أعتقد أن ثمة مجال مغلق أمام المرأة الإماراتية، بيئة العمل والتعليم والقوانين تفتح الفرص كلها أمامها. الآن عليها هي أن تكتشف ماذا تريد أن تتعلم وتعمل وتستخدم طاقاتها في المجال الذي يهمها. نحن نعيش امتيازات مازالت دول العالم الكبرى تحاول الوصول إليها. ومازالت القيادة الرشيدة تقدم الدعم المتواصل والفرص وتكافئ الموهبة المميزة والمبدعة في أي مجال.
-بما أنك كثيرة البعد ولابد أنك في حنين مستمر ما أول شيء تقومين بها حين تعودين إلى الإمارات في كل مرة؟
أول شيء أفعله أنني أزور والدتي أعطاها الله الصحة والعافية.
-ماذا تقول د.حصة العتيبة المرأة الملهمة للمرأة العربية من خلال موقع "أنا زهرة"؟
أقول لها أن تفتخر أولا كونها امرأة وأن تحب أنها امرأة، أن تتمسك بدينها وتقاليدها، وأن تحصّل من العلم قدر ما تستطيع، فالعلم يجعلها تفهم حقوقها وواجباتها. وأخيرا أقول لها إذا اقتنعت بشيء ما تمسكي به واعملي على تحقيقه.
اقرئي المزيد من الحوارات مع إماراتيات ملهمات:
"أجوان" نورة النومان : قصة الحياة والموت على كوكب آخر
السعد المنهالي: وبخني قارئ حين اكتشف أني امرأة!
الشاعرة ميثاء الهاملي: الوضوح أكبر عيوبي