قصة واقعية: ابنتي تعيش بثماني شخصيات على الإنترنت
مسألة اليوم مأساة أب وأم بل مأساة أسرة كاملة ، هي أسرة السيد : "كامل " التي تتكون من شابان وفتاة واحدة، الشابان يمارسان الضغط على أختهما والكبت وعدم الخروج والحبس بالبيت دون زيارات ولا صداقات ولا خروج إلا لشراء ملابس العيدين ومع والدها أو أمها وحتى الخروج للجامعة يكون في سيارة الوالد والعودة بسيارة الأخ الأكبر.
حياة كلها كبت في كبت لا ثقة ربما لا حوار ربما لا دفء أسري ربما ... حضر الأب يشكو مصيبة حلت برأسه فابنته الجامعية " يسرا" اكتشف والدها أنها من 4 سنوات تعيش مع المنتديات وغرف الشات و مواقع التواصل الاجتماعي بعمق كبير ووقت طويل وليست هذه المشكلة إنما المشكلة هي : أن هذه الفتاة تستخدم ثماني شخصيات على الإنترنت، مما أثر على تكوين شخصيتها.
ويذكر الأب : أن ابنته تمتد شخصيتها من الطفلة الصغيرة إلى المرأة العجوز، ومن الأمية إلى الشاعرة ومن الفتاة إلى الذكر، ومن الفتاة الرصينة إلى تلك المنفتحة المتحررة الباحثة عن عوالم المتعة والإغراء، مما أغرقها في عوالم الإغواء وتفاصيل لا يحتمل ذكرها.
يقول الأب :اكتشفت صدفة سبب سكونها لنفسها، إذ وجدتها تسبح في عوالم وليس في عالم واحد، توزعت بين كل هذه الشخصيات، وهي الفتاة الملتزمة في حقيقة أمرها، حيث تؤدي صلاتها في وقتها، حاولت أنا وأمها الإصلاح وطرق باب الاختصاص. وجئنا لمشورتكم ماذا أفعل يا سيدي لحل تلك الكارثة التي لو علم بها إخوانها الكبار لذبحوها؟
بداية أحب أن نقر جميعا بأن من أكبر أسباب الانحراف السلوكي النفسي الذي وقعت فيه ابنتك هو الكبت الزائد عن اللزوم وفقد الثقة فيها و التعامل معها على هذا الأساس مما أدى بها للإنفتاح على عوالم أخرى نتثبت فيها ذاتيتها ووجودها و صنعت لنفسها هذا العالم الإفتراضي الإلكتروني بديلا عن العالم الواقعي مما أوصلها لتقمص شخصيات عديدة، كان أخطرها هي شخصية الفتاة المتحررة الغارقة بعالم الإغراء ومواقع الرذيلة .
و الحق يقال أنه يجب عرض الفتاة على تخصص نفسي تربوي و استجاب الوالد وعرضها على طبيبة نفسية وعندما ذهبت للعلاج واختباراً لشخصيتها طرحت الاستشارية النفسية عليها عدة مواضيع فرأت تعدد آرائها في الموضوع الواحد، حينها اكتشفت صعوبة الأمر، رحلاتها في كل هذه الشخصيات شتتت هويتها ورصانتها، وضيعت مواقفها من الحياة، تغيبت بهذا الفعل أهدافها في الحياة، امتص وقتها، وطفت عاطفة كل الشخصيات على شخصيتها، تداخلت الأمور لديها، تبعثرت حقيقة شخصيتها، أقنعتها كثيرة.بدأت الدكتورة بتخليصها من أضعفها وأقلها قرباً لقلبها هي تلك الفتاة الصغيرة التي تتحدث باسم الطفلة الصغيرة وتناقش من خلالها مواضيع تهم الصغار وبراءتهم، في حين صعُب تخليصها من شخصية الفتاة المنفتحة المتحررة التي سحبتها لعوالم أخرى أكثر جرأة، أخذت عهداً عليها حتى لا ترجع لتشخيص هذا الدور على الإنترنت، لكنها نقضت العهد مرات وكانت دائماً تسافر في دروب هذه الشخصية وتحاور تشكيلات مختلفة يمددنها بآراء وأفكار بعيدا عن الواقع، تعمل اليوم جاهدة على فك العزلة عن الفتاة، ولكن تقول الدكتورة : إن العمل مضن وطويل وقد تبقى آثاره مستمرة إلى حين.
هل عرفتم الآن أيها الآباء خطورة قتل الحرية في نفوس أبنائنا ؟ هل عرفتم خطورة تركهم فريسة لمواقع التواصل الاجتماعي دون توجيه ولا متابعة ولا مسئولية ؟ أرجو أن تكون الرسالة قد وصلت ؟