تشغل الفنانة المغربية صفاء الرواس، والفنان الألماني يودو روتشمان، بفنّيهما، مساحات شاسعة في عالَمين مليئين بتناقضات جميلة، يضجّ فيهما الحرير الناعم بصمت صارخ، فيما تحمل الألواح الخزفية الباردة معها رسائل تَشي بما مرّت به من نار التحوّل والتغيير، وتلتقي في ذَين العالَمين التصاريح المكبوتة بأبلغ أساليب التعبير، وتقود البساطة إلى أعلى درجات التعقيد. ورغم انحدار هذين الفنانين من بلدين مختلفين لغة وثقافة، فإنهما يتشاطران أشياء عديدة عبر منهجيّتهما وتفسيراتهما الفنية. فقد نَهَج كل من الفنانَين في طريقه نحو الإبداع الفنّي نهجاً يتسم بالدقة والإتقان والاهتمام بالتفاصيل، ما أَنتج أعمالاً فنية مُحفّزة للعواطف أُنجزت وفق معايير ما يُعرف بالمعمارية التفكيكية. ويُنبئ الاستخدام الواسع للون الأبيض في نسق فريد أحادي اللون عن مساحة حوارية جمالية مشتركة أخرى في أعمال صفاء ويودو. وفيما نجد أن يودو يُسائِل قوى الوقت والطاقة المتحوّلة التي لا يمكن التنبؤ بها، ويكشف عنها من خلال سلسلة أعماله "الحاضنة"، نرى أن صفاء تستكشف تعقيدات المجتمع والاستقطاب الكامن في مجموعة من الأعمال بعنوان "الظلال المزمنة". تعمل صفاء في مواضيعها الفنية بعين جرّاحٍ حريص، وعقلِ مختصٍّ بالعلوم الإنسانية الاجتماعية لخلق أعمال فنية تجتذب الناظر إليها بملامح رقيقة حسية متضادّة مع عناصر التعقيدات الأساسية المثيرة والمتسمة بالقوّة التي تتميّز بها الفنانة. إن ملاحظة قوة تلك القطع تتطلب من المشاهد فهم أسرارها وتتركه يشعر بكل تمزق وشظية ودمعة. بمثل هذه الدقة المفصّلة ووضوح الرؤية تنفّذ صفاء أعمالها وكأنها تملك مخيّلة المشاهدين، وهي تحوّل أعمالها الفنية البسيطة أحادية اللون إلى أعمال مشحونة بالانفعالية وأحياناً إلى تجارب مؤلمة ومثيرة للقلق. ويلحَظُ المراقب لأعمال يودو الفريدة، حرصه على حضور الذهن التحليلي لعالِم مُفكّر، والتجارب والأبحاث الفضولية لخبير كيميائي خلال عمله. هذا المزيج من الدقة والعشوائية المتأصل في أعمال الفنان يدعو الناظر إليها لكشف المزيد، فيستشعرُ روح الاكتشاف ويُحسُّ بالرغبة في فهم تلك الألواح الخزفية الجميلة أحادية اللون فهماً أكثر اكتمالاً. لقد أبدع هذان الفنانان المختلفان أعمالاً فنية تُشكّل بياناً جميلاً قوي البلاغة، وسرداً مُتّسقاً يبدو بسيطاً أحادي اللون حيناً، لكن الناظر إليه بتمعّن يستشعر فيه رسالة مشحونة بالعواطف المعقدة أحياناً.