رجال الدين يسيطرون على دراما رمضان
مع مرور الأسبوع الأول من شهر رمضان، أصبح ممكناً للمشاهد الحكم على الأعمال الرمضانية واختيار الجيد منها أو الحديث عنها. ولعل أبرز ما يميّز الأعمال الرمضانية هذا العام انتقادها المباشر لتجّار الدين والدعاة الذين يتسترون بالدين بغية تحقيق أهداف أخرى. ولعل أبرز المسلسلات التي تناولت هذا الموضوع الذي يعتبر الأبرز هذا الموسم مسلسل "الداعية" الذي كتبه مدحت العدل وأخرجه محمد العدل ويؤدي بطولته نجم السينما هاني سلامة الذي يعتبر عمله الدرامي الأول. أجاد سلامة تجسيد دور الداعية الوسيم "المودرن" صاحب الكاريزما الذي كما وصفه الممثل سامي العدل في أحد حواراته في المسلسل يتمتع بمحبة وقبول الناس ويحرص على متابعة الموضة العالمية. إذ يحضر من أوروبا مجلات تهتم بالموضة الرجالية لمعرفة أحدث الموديلات وارتدائها. وهو يعاشر أشخاصاً من الطبقات الراقية في المجتمع ليبدو مثلهم.
هاني سلامة أو الشيخ يوسف كما في المسلسل، يمثّل شخصية رجل الدين المتشدد والوسيم والشاب والنجم. وهذه الصفات تؤهله للتأثير في الشباب والمراهقين بشكل كبير. ويتم استثمار كل تلك الصفات في برنامج تلفزيوني يتابعه كثيرون، فتلقى أفكاره المتشددة قبولاً لدى فئة الشباب، ويمثل بوسامته وأناقته فتى أحلام الفتيات. وهذا ما يسهّل انتشار أفكاره. ويلاحظ في المسلسل أنّ الكثير من النساء يعجبن بهاني سلامة أو الشيخ يوسف ويتأوهن قائلات "زي القمر ده ينفع نجم سينما".
وفي العمل نفسه، يشارك المغني ومقدم برنامج "أراب آيدول" أحمد فهمي حيث يقدم شخصية الشيخ حسن المعتدل، وهو زوج شقيقة هاني سلامة في المسلسل ويختلف كثيراً في الرأي معه. إذ أنّه لا يعتبر الموسيقى حراماً ويطمح هو الآخر ليكون نجماً تلفزيونياً كصديقه هاني سلامة. بل يغار من نجوميته ويحاول استغلال الخلاف الذي حصل بين صاحب المحطة وبين الشيخ يوسف، فيذهب إليه محاولاً إقناعه بأن يعطيه برنامجاً دينياً صباحياً.
ويلاحظ في مسلسل "الداعية" أنّه يظهر رجال الدين النجوم الذين يظهرون على الشاشة كتجّار مال ويتفاوضون على أجرهم كما نجوم الفن من خلال حوار هاني سلامة الذي يشترط على صاحب المحطة نسبة له من أجر الإعلانات، إذ يحقّق برنامجه نسبة مشاهدة عالية، ويعيش بفضل ذلك حياة الرفاهية والثراء. ويظهر هاني سلامة في المسلسل وهو يسكن في فيلا فاخرة ويعيش مع عائلته حياة مرفّهة لا تشبه الصورة المرتبطة بأذهان الناس عن تقشف رجال الدين وفقرهم. وعلّق البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنّ الفيلا التي يسكنها هاني سلامة تبدو كمنزل لتاجر مخدرات وليس لرجل دين. إذ باتت ظاهرة رجال الدين متفشية مع انتشار القنوات الدينية وبرامج الفتاوى على الهواء، وصار هؤلاء ينافسون نجوم السينما بنجوميتهم واستقطابهم الاعلانات وأجرهم المرتفع. يظهر ذلك من خلال حوار الفنان سامي العدل مع ابنة أخيه حنين عندما كان يتحدث معها عن الشيخ يوسف، فيقول متحسراً: "على أيامنا، لا كان في قنوات خاصة ولا كان في إعلانات، ولا كان في نسبة". ويظهر في المسلسل حوار بين هاني سلامة وسكرتيرته التي قالت له إنّ الكثير من البرامج الحوارية اتصلت تريد استضافته، لكنّها رفضت لأنه لا يظهر سوى في برنامجه. هنا، لامها وقال: "لو كان البرنامج منتشراً، فلمَ لا؟". وأضاف: "طبعا كله بحسابه" في إشارة إلى أنّه سيقبض ثمن ظهوره كضيف كما يفعل الفنانون والنجوم.
وعلى سبيل المقارنة، ربط بعضهم بين شخصية الشيخ يوسف والفنان المعتزل فضل شاكر، إذ يرد في المسلسل أنّ الشيخ يوسف كان يحبّ الموسيقى كثيراً. وعندما كان يعمل دهاناً في الورش قبل أن يصبح داعية، كان يغنّي للعمال طوال الوقت. بل كان يأخذهم لحضور حفلات غنائية صاخبة.
الشيخ يوسف المتشدد دينياً الذي يحرّم الموسيقى، سيطرأ تغيير في حياته ونظرته إلى الدين بعد وقوعه في حب بسمة التي تجسّد دور عازفة كمان في أوركسترا القاهرة السيمفونية، مما سيزيد تطوّر الأحداث في العمل الذي يعتبر من أقوى الأعمال الرمضانية حتى الآن.
أيضاً، من المسلسلات التي تطرح قضية المتاجرة بالدين والتستر به لأهداف تجارية مسلسل "موجة حارة" المقتبس عن رواية للراحل المبدع أسامة أنور عكاشة بعنوان "منخفض الهند الموسمي". يطرح العمل شخصية الداعية سعيد العجاتي الذي لم يحصل على درجة الدكتواره لكنّه يطلب من المذيعة خلال استضافته في أحد البرامج الحوارية أنّ تعرّف عنه بفضيلة الشيخ الدكتور سعيد العجاتي. وبحسب حوار بين زوجته جيهان فاضل وزوجة أخيه معالي زايد، تبرّر له كذبة شهادة الدكتوراة بأنّ المشرف عليه عرقل حصوله عليها وأنّه قام بأبحاث ودراسات توازي مئة دكتوراه.
ويظهر سعيد العجاتي في المسلسل متزوجاً من امرأة أخرى تجسدها الممثلة الأردنية صبا مبارك التي تتعاطى المخدرات والدعارة. وتعمل جميلة قوادة وشريكة لحمادة غزلان في كل أنشطته وتتزوج من الشيخ سعد ليكون واجهة كي تبعد الشكوك عنها.
مسلسل "موجة حارة" للمخرج محمد ياسين يعدّ أيضاً من المسلسلات الرمضانية اللافتة التي تطرح الكثير من القضايا الواقعية التي تلامس المواطن المصري والعربي.
وإذا كان "الداعية" و"موجة حارة" يتناولان ظاهرة رجال الدين في الوقت الحالي، الا أنّ مسلسل "نيران صديقة" يتناول بداية ظهور الدعاة في أواخر الثمانينيات عن طريق يحيى الذي يجسد دوره عمرو يوسف ويحلم أن يصبح مخرجاً سينمائياً، لكنّه درس الشريعة، ويعطي خطاباً ومواعظ دينية في المسجد ويتم تسجيلها على "كاسيت" وبيعها. ويلاحظ التركيز على صناعة شيخ نجم عندما يطلب المنتج خلق شيخ نجم، فيتم اختيار عمرو يوسف ويطلب منه المنتج أن يكون متشدداً في آرائه، فيرد عليه عمرو يوسف بأنّه ليس من فئة المشايخ التكفيريين، فيقول له إنّه إن لم يكن متشدداً وتكفيرياً، فانّ الناس سيشعرون أنّهم سيدخلون الجنة. لذلك عليه أن يكون تكفيرياً حتى يشعر الناس أنّهم سيدخلون النار ويقبلون على شراء الشرائط التي تتضمن خطبه ومواعظه.
وبينما يبدو طرح هذه المسلسلات لقضية الشيوخ النجوم وتجار الدين مادة ممتعة للمشاهد، فإنّه حتى الآن لم يصدر أي تصريح أو اعتراض من رجال الدين حول موقفهم من تلك الأعمال التي قد تسيء إلى صورتهم بطريقة أو بأخرى. هذا الأمر يدعو إلى التساؤل عما إذا كان رجال الدين سيغضون الطرف عن تناولهم بهذه الطريقة أم أنّ الحلقات المقبلة ستشهد رداً أو هجوماً من قبلهم على تلك الأعمال!