في شهر رمضان يحرص الاماراتيون مثل باقي الدول العربية على الحفاظ على روح وطقوس موائد آبائهم وأجدادهم، حتى يخيل للمرء أنه يشم رائحة أطباق قفزت فجأة من سبات الماضي لتحط رحالها فجأة على مائدة إفطار رمضانية في مطلع الألفية الثالثة. وهذا التمسك بالتراث لا يتمثل فقط في طبخ أطباق الطعام التراثية وحدها، وإنما يجري استدعاء كل ما يحيط بهذا الطقس الديني والاجتماعي من أنشطة ترى الحياة وقد دبت فيها فجأة. ومن أبرز سماتها العمل الجماعي في تحضير المائدة الرمضانية حيث تجتمع نساء معظم الأسر والأقارب وحتى الجيران للاشتراك في تحضير أطباق الإفطار منذ فترة مبكرة من النهار تصل إلى ذروتها قبيل وقت قصير من موعد أذان المغرب. ومن العادات الرمضانية الأصيلة أيضاً تبادل وجبات الإفطار بين البيوت قبيل أذان المغرب، وخروج النساء لأداء صلاة التراويح في المساجد واصطحاب الأهل أطفالهم لتعويدهم على الصلاة. وفيما أصبحت كل خيارات الأطعمة مطروحة أمام الناس فإن شهر رمضان يعيد بعض التقاليد الغذائية إلى الواجهة من جديد، حيث نجد الإنسان يقبل على مأكولات بلده التقليدية بالدرجة الأولى. ولهذا تحظى المأكولات الشعبية الإماراتية بالأولوية في المائدة الرمضانية حيث يفضل الناس الإفطار في بيوتهم مع عائلاتهم متحلقين أرضاً على موائد تقليدية. ورغم أن الطابع العصري لموائد لهذه الأيام يتسم بالوفرة والتنوع حتى على صعيد الصنف الواحد كتعدد وصفات أطباق اللحوم والشوربات والحلويات إلا أن المائدة الرمضانية تستدعي شيئا مختلفا فهناك حرص واضح على الاستفتاح بالماء او اللبن والتمر، لكي يتعزز هذا السلوك لدى الناشئة الصغار وهناك حرص على تحضير الأطباق والأصناف التراثية بذات الطريقة التي كانت تتم حتى الماضي القريب قبل الطفرة النفطية، حيث إن النساء الإماراتيات كنَّ يحضرن الأطعمة دون وجود وصفات أو مقادير محددة فلم يكن يعرف شيء اسمه لتر أو جرام أو ملليجرام وأي من هذه المقاييس المعروفة هذه الأيام. حتى أن الجدة أو الأم حين تقوم بتعليم بناتها الصغار تحضير وصفة معينة كاللقيمات مثلا تقول لابنتها "ضعي الطحين" أو "أضيفي مقدارا آخر من الماء" ثم تقول "فقط.. هذا يكفي" والغريب أن هذه الطريقة التي تعتمد على الحس والحدس الناتج عن التجربة تنجح في كل مرة يتم فيها تحضير مثل هذه الوصفات التراثية.