الحب بين الرجل والمرأة وموقف الإسلام منه
أيها القراء الأعزاء ملأت قصص الحب العذري الثقافة العربية والإسلامية، فكيف ينظر الإسلام للحب بين الرجل والمرأة الذي يسبق الزواج؟
الحقيقة إن هذا موضوع حساس جدا، لكن الجميل في هذا الدين الذي ارتضاه الله للبشرية جميعا انه استوعب كل الأفكار واحتوى الإنسان بخيره وشره بميوله ورغباته، بفطرته وطبيعته ولم يحجر يوما على مشاعره وحريته وأفكاره طالما أنها لا تهدد حرية الآخرين.
ومن ضمن القضايا التي احترم الدين بشريتنا فيها قضية الحب بوجه عام فالإنسان مخلوق خلق ليحب و يُحَب وهذا مصداق قوله عليه الصلاة والسلام (المؤمن إلف مألوف) وفي قوله ( إنكم لا تؤمنوا حتى تحابوا آلا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم ؟ قالوا : بلى قال: أفشوا السلام بينكم ).
وأعلى درجات الحب في الإسلام هو الحب بين الخالق وخالقه وهو ما يطلق عليه العشق الإلهي ومن ذاقه عرف أنه حب لا يدانيه ولا يجاريه حب في العالم قالت إحدى العابدات تصف حبها لربها:
ألا ليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا نلت منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تــــــــــراب
ثم يلي هذا الحب حب النبي الأكرم، وهذا حب نابع عن إيماننا به وتصديقنا له ويقيننا بأن ببعثته أخرجنا من الظلمات إلى النور. قال الحبيب : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه ) ولقد كان من حب الصحابة له يخاطبونه بقولهم : بأبي أنت وأمي يا رسول الله أي فداك أبي وأمي.
ثم يأتي بعد ذلك حب الوالدين والأخوة وذوي القربى قال تعالى ( قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) وكلها أنواع من الحب يؤجر عليها صاحبها بل بها يتقرب إلى الله وتزداد مكانته بالدنيا والآخرة.
أما النوع الأخير الذي اختلف عليه الكثيرون وهو الحب العذري أي حب الرجل للمرأة أو حب شاب لفتاة أعجبته ما رأي الدين فيه وكيف نقومه و نجعله مقبولا؟
أقول بداية كما ورد بالأثر : لو أن امرأة في المشرق و رجلا في المغرب لاشتاق أحدهما للأخر ..إذن انجذاب الرجل للمرأة والعكس صحيح أمر فطري طبيعي ولولا ذاك الشعور ما وجد الزواج ولا الذرية ولا المتعة الحلال في اللقاء الحميمي بينهما كزوجين . فالحب يداوي الجراح ويوجد صبر الحبيب على حبيبه، والتغاضي عن الهفوات وغفران الزلات في الحياة الزوجية, إن الحب بين الزوجين هو إكسير الحياة ومدعمها وحافظها من التفكك.
إذن الدين لا يعترض على وجود هذا الشعور الراقي بين الشاب والفتاة. لكن وجه الاعتراض أو الخوف هنا هو أين سنتوجه بهذا الريموت؟ وهذه الطاقة الجياشة والمشاعر الدفاقة ؟ فإن توجهت تلك المشاعر وترجمت بجدية لذهاب الخاطب لطلب الفتاة رسميا من أبيها أو أهلها ليتم الزواج و يمارس الحب في النور لا في الظلام، فبها ونعم وإن هذا الحب سيكتب لصاحبيه النجاح. ألم يكن النبي يحب عائشة رضى الله عنها ؟ ألم يأته جبريل بصورتها في قطعة من حرير ويقول له : هذه زوجتك فيستيقظ النبي ويقول : إن يكن خيرا يمضه الله. ألم يسأل يوما : من أحب الناس إليك ؟ فيقول : عائشة. فيقولون : نسألك عن الرجال. فيقول : أبوها هو أحب الناس إلي من الرجال.
أما أن يهوي بنا الحب في علاقات محرمة وخروجات محرمة وخلوة محرمة ونرتكب المعاصي باسم الحب، وقد تعطي الفتاة كل شيء عندها قبل الزواج بحجة أنها تحبه و تعتبر نفسها ملكه من الآن. هذا الحب مرفوض جملة وتفصيلا لأنه من يحب امرأة سيحافظ عليها حتى تصبح زوجته في الحلال. ولا ينبغي لفتاة أحبت أن تفرط في خلقها و سمعة أهلها باسم الحب، لأنه والله ما ولد في الظلام سيموت في الظلام ودائما أقول لبناتي وأخواتي عبر برامجي التلفزيونية ( الزواج رزق، ورزق الله لا يؤتى بمعصية الله).
و أخيرا أقول لمن وقع في الحب والعشق : أنا معك أنك بشر تصيب وتخطيء وقلبك بيد الله. لكن إن كان حبك و عشقك قد سد أمامه طريق الزواج، فأخرج نفسك من هذا البئر بقربك من ربك وإشغال نفسك لأنك تبحث عن سراب و من الحب ما قتل . أما لو كان حبك لفتاة مفتوح أمامه باب الأمل للزواج، فاجتهد وتقدم لأهلها وصدقني كلما تحريت الصدق والجدية بورك لك في هذا الحب. وزاد رزقك لأنك تسعى للحلال لا للحرام.
يقول الحبيب : ثلاث حق على الله عنهم المجاهد في سبيل الله و المكاتب يريد الأداء (صاحب الدين) و الناكح يريد العفاف (أي الشاب الذي يريد الزواج بمن أعجب بها ).
هذا هو الحب العذري في الإسلام وذاك طريقه و تلك معالجته. فلا حرج من أن نحب لكن نتزوج من نحب، فإن تعذر فلا مجال للحب لأنه كعطشان يشرب من ماء البحر المالح فلن يشبع. أم هل تريد أو تريدين أن تنتهي الحياة بنا كما انتهت بقيس ليلي حين مات على قبرها وكان ينشد :
فما حبي لطيب تراب أرض ... ولكن حب من وطئ والترابا
لقد وصل به الحال أن يقبل جدران بيتها حبا وجنونا بها حتى شغل عن عبادة ربه كما ورد بأبيات كثيرة عنه قال يوما:
أمر على الديار ديار ليلي أقبل ذا الجدار وذا الجدار
وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديار
حفظ الله قلوبنا ونورها بنور الإيمان اللهم آمين