قصة واقعية: ابني يعشق مجالسة الكبار فقط!
سؤال هام طرحته علينا إحدى الأمهات تبحث له عن حل وجواب.
فالزوجة والأم (سعيدة) لديها طفل عمره 6 سنوات اسمه ( كريم). لاحظت عليه مؤخرا حبه لمجالسة الكبار سواء مع أقارب وأصدقاء والده أو صديقاتي وقريباتي أنا.
تقول الأم سعيدة: فمن ناحية أحببت مشاهدة ابني وفرحت لخروجه مع والده لصلاة الجماعة بالمسجد ومشاركته لي ولوالده في بعض الأعمال بالمنزل والتثقف الذي بدأ يكتسبه بسؤاله عن أشياء يستمع إليها من خلالنا أو أثناء مشاهدة التلفزيون.
لكنني بدأت أتخوف من هذا القرب الشديد وهو ما زال طفلا صغيرا ولا أعرف كيف أفرق بين ما يجب أن يعرفه ويختلط به كطفل صغير بما يرتبط بعالم الكبار من حوله؟
هل أتركه يستمع لكل شيء ؟أم أفصله تماما ليقتصر عالمه على اللعب فقط الذي يحبه أيضا ويستمتع به ؟
الجواب : لاشك أن السماح للصغار بمجالسة الكبار سلاح ذو حدين.
ولكن إن عرفنا متى يجلس الطفل ومتى نجنبه سنكون قد أفدماه تربويا ونفسيا فالطفل عندما يتابع الأخبار مثلا مع والديه هو أمر مستحب لأنه يكسب الطفل معارف ومهارات بشرط تبسيط الوالدين لما يسمع الطفل من قضايا وأحداث.
وهكذا لكن لا ينبغي أن نغلق حياة الطفل فقط على مجالس الكبار دون إعطائه المساحة الكافية من اللعب والترفيه التي هي جزء من رغبات كل طفل لإذن الأمر يحتاج إلى توازن. فهناك اشياء لا ينبغي أن يشارك فيها الصغار مثل الخلافات الأسرية وطريقة حلها هو لن يستوعب اللهم إلا أنه سيعقد عندما يري الشجار والأصوات العالية ولن يفيده مطلقا مشاهدة تلك المباراة العائلية أما مصاحبة الأب لولده الصغير للذهاب للمسجد فأمر تربوي إيماني هام لكل صغير وهكذا.
ولقد طرحت نفس سؤالك على أستاذة جامعية في مجال التربية النفسية للأطفال منذ عام فكان جوابها غاية في الفائدة حيث قالت :"إن إدخال الأطفال لعالمنا نحن الكبار، سيجعل هذا الوضع الأطفال أكثر وعياً واحتكاكاً بالعالم الخارجي ويعودهم على المشاركة وتحمل المسؤولية كما ينمي الثقة بالنفس والقدرات والمهارات الذاتية ويغرس قيم التعاون بين الأجيال المختلفة داخل الأسرة، ويجعل دوائر الاهتمام المشتركة بين أفراد الأسرة الواحدة أكثر تداخلاً واتساعاً. لكن الأمور لا تسير على وتيرة واحدة، فهذا الأمر كما له إيجابيات فقد يؤثر سلباً على الطفل حيث أن عالم الكبار أوسع من القدرات الإدراكية للطفل.
مثلاً: إدراك الطفل للقيمة الشرائية للنقود محدود جداً، ومقارنة الطفل لمصروفه الشخصي مع المصروفات العامة للبيت سيشعره بنوع من التمرد. كما أن استيعاب الأطفال لبعض المفاهيم العامه كالوفاة والكوارث الطبيعية والحروب يظل قاصراً حتى مراحل متأخرة من الطفولة.
ويمكننا تحقيق الفوائد بطرق آمنة، وأن نجعل من سيدنا يعقوب عليه السلام قدوة لنا عندما سمح ليوسف الصديق بالذهاب مع إخوته رغم خوفه عليه فقط عندما قالوا له (ارسله معنا غدا يرتع ويلعب) فكان اللعب والمتعة هما المحركان الأساسيان له، وعليه يمكننا الاستفادة من اللعب كوسيلة تعليميه حيث إن اللعب عند الأطفال ينزل منزلة عظيمة ويعد بروفة الطفل على الحياة، واللعب لا يخلو من المشكلات التي تصقل شخصية الطفل وتقوي عوده، كما أن المصروف اليومي يقوي مهارات الطفل الاقتصادية، والعلاقات الاجتماعية الناجحة وسيلة تأهيلية عالية المستوى ترتقي بالطفل وتخطو به نحو عالم الكبار، وهذا لا يعني أن نفصل الأطفال في كوكب مستقل، بل علينا إشراكهم فى عالم الكبار بخطوات متأنية ومدروسة مراعين عمر الطفل، نمطه وميوله، مستوى الإدراك، مهاراته واحتياجاته النفسية والتربوية. فدخول الأطفال إلى عالم الكبار أشبه ما يكون بتعليم الطفل للمشي، فإذا ضغطنا على الطفل وهو غير مؤهل للمشي ظناً منا أن هذا يقوي عوده لا نجني إلا خيبة الأمل، أما إذا بدأنا تدريبه فى السن المناسب فإنه سيخفق مرة ويتقدم مرة حتى ينجز المهمة، وعليه يمكننا إشراك الأطفال كل بما يناسب عمره، ليس هذا فحسب، بل يجب علينا تكليف الأطفال منذ الصغر بمهام وواجبات أسرية واجتماعية حتى نستطيع بلطف وبحكم العادة نقلهم من عالم الأنا إلى عالم النحن"
كلمة أخيرة :
أيتها الأم الفاضلة :إن التربية لا تعني خلق العقبات للطفل لتقويته، ولا تذليلها له لتدليله، بل مساعدته ليتغلب على عقباته الخاصة التي ستواجهه، كي يقوى ويكبر بتوازن نفسي واجتماعي.