بعدَ البحث والتدقيق، كنتُ أتمنى لو تفرغ لي العديد من الصفحات لكتابة المزيد والكثير عن حياة تلك الأسرة المصرية العلوية المثيرة للجدل خلال حقبة الحكم الملكي. اليوم سأكتفي بسرد رحلة زواج إثنتين من هذه العائلة كانتا الشغل الشاغل ومحط أنظار الجميع في تلك المرحلة وربما بعدها حتى كتبَ فيهما العديد من الكتب والروايات منها "ملكة في المنفى" و"الملكة نازلي بين سجن الحريم وكرسي العرش".
إنها قصة زواج الملكة نازلي من السلطان أحمد فؤاد الأول، وابنتهما الصغرى فتحية من رياض الغالي.
نازلي وفؤاد وحب تحت وطأة القهر والحرمان
كانت نازلي عبد الرحيم باشا صبري المرأة الوحيدة في تاريخ مصر التي حملت لقب سلطانة بزواجها من السلطان فؤاد الأول عام 1919، ثم ملكة بعدما أصبح السلطان ملكاً لتصبح في ما بعد صاحبة الجلالة الملكة الأم بعدما تولى إبنها الملك فاروق عرش مصر عام 1937.
البحث في صفحات حياة الملكة نازلي ليس مجرد تنقيب في حياة إمرأة بل هو تنقيب في تاريخ بلد بأكمله. بدأت هذه الحياة مع رحلة زواجها من السلطان وهو أصغر أبناء الخديوي إسماعيل الذي عاش طفولته وشبابه في إيطاليا. وعندما عاد إلى مصر، كان مفلساً لا يعرف حتى التحدث بالعربية ولا يعلم عن مصر سوى كونها محتلة من قوة لا يمكن أن يتحداها أحد. ورغم هذا، أصبح سلطاناً عليها.
عاش فؤاد حياة متنقلة بين أحضان عشيقاته ولعب القمار، إلا أنّ وصوله إلى العرش جعل زواجه من امرأة تمنحُه ولياً للعهد أمراً ضرورياً. ولبداية علاقة الزوجين العديد من الروايات ومنها أنّ السلطان شاهد نازلي عبر الليدي غراهام زوجة المستشار الإنكليزي لوزارة الداخلية المصرية حينها، حيث كان زوجها يعمل مع والد نازلي. وحين طلب السلطان رؤية العروس، دعتها مع شقيقيها لتناول الشاي فرآها السلطان من وراء الستار وطلبَ الزواج منها.
تشير بعض الحكايات إلى أنّ نازلي هربت من السلطان أحمد فؤاد في يوم عقد القران ولجأت إلى أحد أقاربها الذي كانت تحبّه، إلا أنّ الفتى أدرك أن الأمر محسوم للسلطان فأعادها إلى قصر أبيها وتمّ الزفاف في عام 1919 وكانت وقتها في الخامسة والعشرين من عمرها بينما كان الملك في الحادية والخمسين.
وصلَ الخلاف بينَ الثنائي إلى درجة أنّ السلطان نفذ حكم إعتقال لنازلي في سجن الحريم في قصر القبة بعد ولادة ولي العهد فاروق. وكان الملك يعاقبها دائماً بحرمانها من رؤية أطفالها، إذ أنجبت بعد فاروق أربع بنات هنّ فوزية وفايزة وفايقة وفتحية.
وكانت السمة الأساسية في حياة الملك وزوجته هي غيرته الشديدة عليها وسجنها الدائم بل إنه تعمّد إذلالها بإحاطتها بوصيفات كنّ عشيقات له.
عاشت نازلي 17 عاماً سجينة في القصر حتى مات الملك فؤاد عام 1936 وتولى فاروق الحكم بعدما لعبت دوراً كبيراً فى إعتلاء ابنها للعرش. وبعد سلسلة أحداث درامية توالت على مدار السنين كان من ضمنها تجريد الملكة من جميع ألقابها، ماتت نازلى عام 1978 فى لوس أنجلوس ودُفنت هناك.
فتحية وغالي ومن الحب ما قهر
من الملكة نازلي إلى إبنتها الصغرى الأميرة فتحية التي تعد بطلة لأهم الأحداث في حياة أسرتها، إضافةً إلى نهايتها المأساوية.
بدأت تفاصيل القصة في سفر فتحية إلى أوروبا مع والدتها الملكة نازلي وشقيقتها الأميرة فائقة. وخلال الرحلة وفي مرسيليا تحديداً، إلتقت الملكة بشخص يُدعى رياض غالي كان أميناً للمحفوظات في القنصلية المصرية في مرسيليا. وقد كلفته القنصلية ليكون في خدمة الملكة ومشرفاً على نقل حقائبها هي والأميرات ليُصبح في فترة قصيرة ظلّ الملكة في سفراتها إلى أن إستقر بها المقام في الولايات المتحدة وكان أيضاً يرافقها.
وصلَ الأمر برياض غالي إلى أن أصبح على علاقة وطيدة بالأميرة فتحية، إلا أنّ العقبة التي كانت تواجه الإرتباط الرسمي بينهما هي ديانته المسيحية. ورفض الملك فاروق والعديد من الشخصيات المصرية الهامة تلك العلاقة، ما دفعَ بالبلاط الملكي للإنعقاد وحرمان الملكة نازلي والأميرة فتحية من الألقاب الملكية بالاضافة إلى مصادرة جميع ممتلكاتهما في مصر.
عجّلت الملكة نازلى في هذه الأثناء بزواج الأميرة فتحية (20 عاماً) من غالي، وتمّ بالفعل عقد الزواج المدني في سان فرانسسكو عام 1950 والإحتفال بالزفاف. وقد حصلَ رياض على تفويض كامل من نازلي وفتحية بالتصرف في شؤونهما المادية، ولكنه خسر الكثير من المال في استثمارات فاشلة. ومع الوقت، تحوّل رياض إلى شخص لا يفيق من الخمر ويستمتع بالخسارة على موائد القمار حتى أودى فشله وسكره بإعلان نازلي إفلاسها سنة 1974 بعدَ تراكم الديون عليها. ولكن رياض استطاع الحصول على 40% من باقي حصيلة بيع ممتلكات نازلي بعد التسوية مع البنوك.
أنجبت الأميرة فتحية من رياض غالي ثلاثة أبناء. وفي ذلك الوقت، بدأت الأمراض تداهم غالي بعدما انقطعت عنه فتحية وأبناؤها حتى أصيب بأزمة قلبية حادة ودخل المستشفى، وطلب الأبناء من والدتهم أن تقوم بزيارة غالي قبل وفاته. وتحت الضغط الشديد فعلت وعندما رآها بكى بشدة وطلب منها أن تسامحه.
وفي شقته في لوس أنجلوس عام 1976، قام رياض بإطلاق خمس رصاصات على رأس الأميرة فتحية فقتلها على الفور، ثم حاول الانتحار لكن تمّ إنقاذة بصعوبه. وحُكمَ عليه بالسجن لمدة 15 عاماً، ونتيجة إطلاقه النار على رأسه عاش مشلولاً وأعمى في السجن إلى أن مات بعدها بثلاث سنوات تقريباً.
للمزيد: