قدمت السينما البريطانية فيلم "جسر على نهر كواي" في عام 1957، وتدور أحداثه خلال الحرب العالمية الثانية في معسكر ياباني للأسرى البريطانيين في جنوب تايلاند، حيث تجبر السلطات اليابانية الأسرى على بناء جسر على نهر كواي لتعبر عليه قطارات الجيش الياباني أثناء الحرب، ولكن بالرغم من عمليات التصميم والبناء المتينة إلا أن الأسرى خططوا لتفجير هذا الجسر كونه يخدم الأعداء اليابانيين.
كانت هذه الأحداث السينمائية من أسباب شهرة الجسر المقام على نهر كواي، الذي يجتذب اليوم ملايين السياح من جميع أنحاء العالم. ويندفع كثيرٌ من الزوار باتجاه محطة السكة الحديد القريبة، حتى لا يفوتهم القطار، الذي يعبر بهم فوق هذا الجسر الشهير. ولا يخلو المشهد من بعض السياح وهم يلتقطون بعض الصور التذكارية أمام الجسر الذي يمر فوق أحد روافد النهر، بالإضافة إلى زوارق التنزه والمطاعم الخشبية، وفي هذه اللحظة يقترب القطار القادم من بانكوك والمكون من ثمان عربات.
وقد استغرقت رحلة السياح، الذين يبلغ عددهم 240 راكباً، حوالي ثلاث ساعات من محطة القطارات الرئيسية "هوا لامفونغ"، وقاموا بتنظيم جولة ترفيهية في مقاطعة ناخوم باتوم، بالإضافة إلى زيارة معبد بوذا وقمة تشيدي التي يصل ارتفاعها إلى 127 متراً. وبعد ذلك عبر القطار جسر كواي، الذي يقع بالقرب من بلدة كانشانابوري، باتجاه المحطة النهائية في "نام توك". ويعود القطار مرة أخرى إلى العاصمة التايلاندية بانكوك في فترة ما بعد الظهيرة، ولا تتعدى تكلفة الرحلة بالكامل خمسة دولارات، ولا يعمل قطار التنزه هذا إلا في عطلة نهاية الأسبوع.
وتسود أجواء من البهجة والاسترخاء في هذا القطار المزود بمقاعد صلبة ولا يوجد به أي تقسيم على أساس الدرجات كما هو معروف في القطارات العادية. ويعرض الباعة الجائلون بضائعهم، مثل أرجل الدجاج وأطباق الأرز اللزجة الحلوة والمياه، على الركاب. وعلت وجوه الركاب علامات الأسى والحزن عندما تم الحديث عن تاريخ الجسر والمعاناة المؤلمة لعمال السخرة، الذين قاموا بتشييده، حيث كان هناك مدرس من بانكوك يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويشرح تاريخ هذا الجسم لبعض السياح من سنغافورة.
وتحكي قصة إنشاء هذا الجسر أن القوات اليابانية المحتلة استغلت أسرى الحرب العالمية الثانية، من تايلاند والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واستراليا والهند والصين، لإنشاء خط سكة حديد يمر عبر الأدغال إلى بورما، حيث عمل الأسرى في ظل ظروف غير إنسانية خلال الفترة من أيلول/سبتمبر 1942 إلى كانون أول/ديسمبر 1943، لتأمين طرق الإمدادات للقوات اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية.
خط الموت
وقد أطلق عمال السُخرة على خط السكة الحديد اسم "خط الموت"، حيث لقى ما يزيد على 100 ألف أسير مصرعهم بسبب التعب والإجهاد والحوادث وانتشار الأوبئة والأمراض مثل الكوليرا والملاريا. ويتذكر السياح هؤلاء الضحايا عند زيارة المقابر أو مشاهدة المتحف التذكاري "Jeath" بالقرب من بلدة كانشانابوري.
وقد تم إنشاء الجسر على نهر كواي من بنية هيكلية من الصلب ترتكز على دعامات حجرية ضخمة في الماء، وظل هذا الجسر على مدى عقود من الزمن من عوامل جذب السياح من جميع أنحاء العالم، علاوة على أن المزارعين المحليين والنساء يستخدمون هذا الجسر للعبور بين ضفتي النهر.
ولا يزال يعمل من خط السكة الحديد المعروف باسم "خط الموت" حوالي 77 كيلومتر فقط، حيث تم تدمير وتفكيك الجزء المتبقي منه أو لانتشار الغابات بكثافة تحول دون مرور القطارات. وإذا رغب السياح في مواصلة الرحلة بالقطار إلى المحطة النهائية فيتعين عليهم الجلوس على الجانب الأيسر، نظراً لأن المشاهد الطبيعية على الجانب الأيمن لا تزيد عن كونها جدار صخري يمتد أمام أعين السياح.
ومن ضمن المشاهد الطبيعية خلال رحلة القطار ظهور المزارعين بقبعاتهم المصنوعة من الألياف النباتية، وهم يعملون في حقول الأرز، وتعتبر هذه المناظر من المشاهد التقليدية عند زيارة بلدان جنوب شرق آسيا. ويمر القطار على حقول الذرة ومزارع البابايا وحقول قصب السكر، ويقف جاموس الماء بلا حركة تحت أشعة الشمس الحارقة، ويسير خط السكة الحديد بمحاذاة تعرجات النهر، وفي هذه المنطقة يسير القطار بسرعة أبطأ على الجسر، الذي تم ترميم بعض أجزاءه، ولا يزال قادراً على تحمل مرور القطارات منذ ما يقرب من 60 عاماً.
وتنتشر بالمنطقة المحيطة بخط السكة الحديد العديد من المزارات السياحية مثل معبد بوذا والكثير من المناظر الطبيعية الخلابة والشلالات والحدائق الطبيعية والكهوف، مع إمكانية ركوب الأفيال، ولذلك لا يلجأ الزوار إلى استعمال طريق العودة السريع عن طريق الحافلات السياحية، ولكنهم يفضلون العودة بالقطار البسيط، لاستعادة المشاهد الخالدة من فيلم "جسر على نهر كواي" بطولة أليك غينيس وسيزو هاياكاوا ووليم هولدن وجاك هوكنز وجيفري هورن.