أول فيلم تسجيلي طويل عن الإمارات برؤية ناصر الظاهري
يحتفل مهرجان دبي السينمائي بدورته الثانية عشر هذا العام، بمشاركة 29 فيلماً إماراتياً، تنوعت بالمحتوى والتقديم لتعكس التطور الحضاري والإهتمام بالفن السابع، وسيطاً ناقلاً لثقافة الشعوب وعاكساً لصورة الإنسان والبلاد. ويأتي فيلم الأديب الإماراتي والكاتب الصحفي ناصر الظاهري بعرضه العالمي الأول ليقدم "في سيرة الماء.. والنخل.. والأهل" رؤيا بانورامية لمدينته العين وباقي الإمارات السبع من منظور شعري وصوري يحاكي فيها جودة تصوير قنوات (الناشونال جيوغرافيك)، من حيث متابعة الحدث ومعايشة المكان والغور في أسبار أهله الإماراتيين وتاريخهم وتراثهم العريق، قبل وبعد النهضة النفطية.
ولطالما سُكن الكاتب بشغفه بمدينة العين، والذي نقله لسنوات عبر مقاله اليومي في جريدة الإتحاد "العمود الثامن"، ولم تخلو منها إصداراته الأدبية رغم تعدد أسفاره ونيله شهاداته الجامعية من فرنسا. ليأتي اليوم لينتقل من كرسي المتفرج السينمائي النهم، والمتابع والناقد لأفلامها العالمية عبر مقالته أيضاً، ليكون هو المنتج والمخرج وكاتب السيناريو لفيلمه الأول، رسالته العميقة التي دأب على نقلها بأمانة عن بلده الإمارات.
عكف ناصر الظاهري على الإعداد لهذا الفيلم أكثر من عامين، بمساهمة فريق هولندي تولى الجانب التقني والفني، من مراحل التصوير إلى المونتاج، وتنقل مع فريق عمله بحثاً عن الحكايا والآثار التي تروي قصة الإمارات منذ أقدم الإكتشافات، إلى يومنا هذا.
تناول الفيلم الذي مدته 160 دقيقة، سير الأولين الذين نحتوا في الصخر لبناء الأفلاج، والفلاحين الذين أعلوا هامات النخيل ورووا الزرع، وبنائي السفن الخشبية والباحثين عن اللؤلؤ في المحار من بعد رحلات الغوص التي كان يعتاش عليها الناس. كما قدم العادات الإجتماعية في الأعياد والإعداد لولائم "الفريج" التي يتكاتف شبابه وحريمه على تجهيزها لأيام، كل له مهامه، النساء يطيبن الذبائح بالخلطات الشعبية، أما الرجال فيقيمون حفلات من الشواء بطريقة الدفن مع الجمر.
وفي رحلة المشاهد الساحرة، بين رحلة النهار والليل، تتعطر صالة العرض برائحة القهوة المحمصة على حطب الأعراب الكرام، ويهدد أحدهم فريق العمل بأن لا خيار آخر غير التمتع بضيافة الأهل وإلا "كسرت الكاميرة وبنشرت تواير السيارة"، ولا تنغص مشاهد دماء أضاحي العيد، والصقور وهي تلتهم فريستها نسيج المشاهد المسافرة مع عين الكاميرا. بينما تروي النسوة في الفيلم حكايا الناس الطيبين بالماضي، وتعاويذهم ضد المرض والعين الشريرة قبل أن تدخلهم الطبابة الحقيقية على أيدي أطباء أمريكان وعراقيين وبحرانيين، فتحوا لهم قلوبهم العامرة بالطيبة قبل مدنهم، وجائت الروايات على لسان المشاركين: سلطان الكويتي وعقيدة المهيري وغاية الظاهري ويس التكريتي وحسين البادي، ترفرف بينهم الطفلة البطلة أروى مزدانة بثوب علم الإمارات.
الفيلم الذي سجل تكلفة عالية بإنتاج شخصي وصلت إلى مليون ونصف مليون يورو، عكس بسخاء روح الإنتماء والإيمان بالأهل والوطن، ليسجل سيرة عامرة بالتفاصيل الموثقة لحياة الإمارات ماضياً وحاضراً.