قصة واقعية: انحرافات ما بعد الطلاق
كثيرا ما نحذر الآباء والأمهات عبر المحاضرات والبرامج التلفزيونية والمقالات من الآثار السيئة المترتبة على الطلاق بالنسبة للأبناء خاصة، فأغلب من يسلكون طريق الطلاق هم يفكرون فقط في أنفسهم وراحتهم النفسية غاضين الطرف عما سيلحق بالأبناء من أضرار، وبعضهم يعتقد بأنه لا حاجة للطرف الأخر في استكمال مشوار تربية ورعاية وحماية الأبناء.
وأعلق بقولي كمتخصص: إن الطلاق في أغلب الحالات نعتبره حكم على الأبناء باليتم وإن كان الأبوين على قيد الحياة.
ليس اليتيم يتيم الأم والأب إن اليتيم يتيم العلم والأدب.
ومسألة اليوم هي نموذج صريح وواضح ومؤكد لتلك الحقيقة، تقول الأم(م) : طلبت الطلاق منه منذ 8 سنوات وطلقت بعد حروب دامية بيني وبين طليقي تولد عنها كره لا يوصف لبعضنا ورزقت منه أثناء الزواج بولد بلغ من العمر الآن 17 سنة، وكنت أظنياسيدي أنني سأرتاح بعد الطلاق أو أن الطلاق سيحل كل مشاكلي بالحياة، فاكتشفت أني كنت واهمة .
صحيح أنني أخذت حريتي وارتحت من مشاكل زوجي وعصبيته وتحكماته وغطرسته معي لكنني فوجئت بظهور مشاكل من نوع جديد، مشاكل مع ابني الذي طلقت لأتفرغ لتربيته وسخرت شبابي له ولم أتزوج لأرعاه وأقوم على شؤونه لكنني وجدت نفسي منذ تاريخ طلاقي أعيش مع ولد هو يعد جيشا متمرد وشخصية جمعت كل ألوان الانحراف في أقل من 4 سنوات وتشكل تشكيلا سيئا ، فالولد يدخن وتطور الأمر لتعاطي الحبوب واستنزف كل راتبي ولأني أحبه كنت أعطيه، لكنني تعبت وليس لي أحد ألجأ إليه.
قلت لها:أين أبوه؟ قالت: أنا قاطعة للتواصل معه بتاتا لأننا وبدون مبالغة نكره بعضنا البعض كرها شديدا ووصلت بنا المواصيل للشرطة والنيابة والمحاكم والضرب والسب، والكره بيننا متأصل ولا نتواصل بتاتا منذ تاريخ الطلاق. ومنذ شهرين طلبت من ابننا الخروج من البيت بسبب أنه أحضر أصدقاءه بحجرته وكانوا يتعاطون البرشام فطردته ليذهب عند أبيه.
بعد شهرين أرجعه لي، وقال برسالة على موبايل الولد:( ابنك مثلك يكرهني وأنا لا أريده عندي ) اتصلت بالدعم الاجتماعي ليجبروا الأب على أخذ ابنه ليربيه فأحضرونا وعرضوا على الأب أخذ الحضانة وتربية الولد وتقويمه.
رد الأب: إن الأم هي الحاضنة وهي المسؤولة عنه تربويا وأنا أدفع النفقة المحكوم بها ويكفيني ما فعله الولد بالبيت بالشهرين الماضيين، إنه يسرق ويتفنن في سرقتي ولديه قدرات خارقة في فتح الخزنة فتحها وسرقني 3 مرات بأموال كبيرة رغم وجود كلمة سر على القفل ، وسرق بعض محتويات البيت والتحف وباعهاوتعدى الأمر لسرقة الأدوية (أدويتي المسكنة) ويستعملها كمخدر ويجلس على الأنترنت يتكلم مع غرباء وكأنهم عصابة ، الولد غامض وسارق ومجرم وفوق كل ذلك يكرهني مثل أمه تماما ويبغضني بشدة لدرجة أنني أخشي على حياتي منه ولا يمكن أستقبله ببيتي.
وظل الوالدان يتبادلان التهم وكلمات الكره بينهما وتعالت نبرات الحدة رغم مرور حوالي 8 سنوات على الطلاق ولكن الحقد بينهما مازال قائما فنصحت الأبوين بالتعاون لتربية هذا الشاب لكن كل منهمارفض التواصل أو مجرد الرسائل أو التحدث فقلت للأم: إن كنت غير قادرة على تربيته فاطلبي بالقانون تسليمه لأبيه واذكري أسبابك للقاضي وأنت أيها الأب الكريم انتظر ما سيحكمه به الشرع.وهنا كانت لي وقفة أقول فيها لكل زوجين يفكران بالطلاق:
- فكرا مليون مرة قبل القدوم على خطوة الطلاق ولنصبر على بعضنا لأن تربية الأبناء وحمايتهم وإسعادهم هي أكبر من سعادتنا ، وهذه الأمنية يصعب تحققها إن افترق الأبوان.وسوف تتعقد نفسية الأبناء خاصة في وجود هذا الكم من البغض والعداوة والكراهية الشديدة بين الأبوين.
-إن مأساة وانحراف هذا الشاب هي حتما بسبب سوء تعامل الأبوين مع بعضهما فبدأ الابن في معاقبتهما بطريقة غير مباشرة وذلك بمخالفتهما أو بالقدوم على الانحراف ليحزن قلبهما وربما لينسى واقعه الأليم الذي يعيشه بين أبوين يكرهان بعضهما البعض أشد الكره.
-لا حل لضبط نفسية الأبناء بعد الطلاق إلا بحسن التعامل والاحترام بين الأبوين والتواصل للضرورة فيما يتعلق بمصلحة المحضون . ويكفى أننا دمرناه أثناء الزواج بالمشاكل فلا داع من أن نقضي عليه باستمرار القطيعة والحرب بعد الطلاق لأن الذي سيجني ثمار المرار هو أنتم أيها الآباء وسيؤثر انحرافه عليكم لأن مشاكله لن تنتهي لأن جراحه منكم لم تنته فأرجوكم أيها المطلقين :ضعوا للحرب أوزارا.