القراء الأعزاء، يقرر الكبار الانفصال، وأن الحياة بينهم أصبحت مستحيلة، وهذا حق لهم، فيقع الطلاق. لكن هل من حق الكبار أن يوقعوا الطلاق وتبعاته على أطفالهم؟ كيف يحدث ذلك ولماذا يتخلى الآباء أو الأمهات عن الضمير والأخلاق في كثير من حالات الطلاق، حتى لو تعلق الأمر بفلذات أكبادهم. أفكر في هذا وأنا أحاول أن أكون مكان هذا الطفل البالغ من العمر 3 سنوات، الذي حرمه أبوه بعد الطلاق من رؤية أمه. ورغم أن الأم رضيت بأن يكون الطفل في رعاية أبيه بعد الطلاق، إذ أنه يعمل في الخارج ليسافر به ويتعلم أحسن تعليم ويعيش أفضل حياة، فالأم من بلد فقير، لكن الأب استغل تلك الظروف وحاول إبعاد الأم عاطفيا عن مخيلة ابنه ومشاعره كما بعدت مكانيا. بدأ الأب يلقن طفله ويبرمجه على أن زوجة أبيه هي  أمه حتى تفاجأت الأم الحقيقية بعد لقائها بابنها لأول مرة بعد 3 سنوات بأن الولد يسألها: من منكم أمي؟ أنت؟ أم فلانة -يقصد زوجة أبيه-؟ ليتضح من بعد أن الأب منذ 3 سنوات يقول له: هذه فلانة-زوجة الأب-هي أمك ولابد أن تناديها بقولك: يا ماما. واما فلانة -يقصد أمه الحقيقة-إن قابلتها يوما فهي مثل خالتك وإياك أن تناديها: يا أمي. وكانت المفاجأة للأب الذي حاول التحايل والالتفاف حول فطرة الصغير بأن تعب وتلقين الثلاث سنوات لابنه راح هدرا، حيث أنه خلال سويعات قليلة وبيات ليلة بحضن أمه الحقيقة نسى زوجة أبيه ونطقت فطرته بكلمة: ماما لأمه الأصلية. فلما رجع لبيت أبيه وسمع الأب بأن الصغير يقول لأبيه: هذه -يقصد زوجة أبيه- خالتي وليست أمي، فما كان من الأب إلا أنه نهره وصفعه على وجهه ظانا بأنه بهذه الحماقة الأبوية قد حل المشكلة. وزاد الأب في تعقيد الأمور بأن اتصل على الأم التي حضرت من بلدها أسبوعين فقط لرؤية ابنها وتكبدت كل مصاريف الإقامة والسفر وقال لها: أنت خربتي عقل ابني وانس من اليوم أن ترينه طول عمرك. فلما حضر الأب بعد أن اشتكت عليه الأم سأله المصلح الاجتماعي: لماذا تصرفت هكذا وشققت قلب ولدك وشوشت أفكاره ولخبط نفسيته تجاه أمه؟ قال الأب: لأن أمه الحقيقة لا تعيش معه بنفس البلد. قال له المصلح: إنها وإن كانت لا تعيش معه بنفس البلد فهي تعيش معه بقلبه وفطرته، إن دمه من دمها وعظامه تكونت من لبنها، وهي ما تخلت عنه حتى نعاقبها  هكذا بل سلمته لك بوعد منك أن تحضره بالعام مرتين لتراه لأنك تعمل بالخارج وهي من بلد فقير. أهكذا يكون جزاؤها أن تحرمها من أبسط حقوقها؛ كلمة (ماما)؟ رد الأب: لقد تعبت زوجتي الحالية بتربيته 3 سنوات، فتستحق هذا اللقب . قال المصلح: عفوا أنت مخطيء صحيح أن حق زوجتك الثانية أن نقول لها جزاها الله خيرا لما قدمته. ولكن هذا لا يعني قلب الحقائق وتزييف الواقع، لأنه بيوم من الأيام سيكبر الطفل مهما أخفيت ويعرف من هي أمه الحقيقية؟ سيقرأ يوما شهادة الميلاد وسيكتشف أن من بالبيت اليوم هي زوجة أبيه وليست أمه، فلماذا نتعمد بلبلة أفكار أبنائنا بعد الطلاق، كان أولى بك بأن تحسن صورة أمه الحقيقة. أن تقول له: إن والدتك فضلت أنك تتعلم هنا أحسن تعليم وتعيش بمستوى  أحسن على حساب مشاعرها ولذلك أدعو لها وكل فترة سنذهب لزيارتها. وبنفس الوقت علمه بأن زوجة أبيه لها كل الشكر لأنها تعامله مثل ابنها. وأرجوك لا تعن الشيطان على طليقتك فتجعلها تطلب حضانة الولد رسميا وقانونيا لتعود به بحكم المحكمة لبلدها الفقير فيكون الطفل ضحية الفقر والطلاق وعدم الإنصاف بينكما. استجاب الأب لنصح المصلح واعتذر للأم وسمح لها بابقاء الصغير معها طول الإجازة. والعجيب أنه قد ارتسمت على وجه الطفل علامات الفرح وتنفس بعمق ونسى تعنيف أبيه له بالأمس وقام وحضن والده، لكن بعد أن ارتمى في حضن والدته أولا التي لم يرها منذ 3 سنوات.