من المتعارف عليه، أن يقدّم الفنانون أعمالهم الفنية لجمهورهم، فيحتفلون بإطلاق هذه الأعمال، ثم يحتفلون بعدها بالنجاح والانتشار. ولا مانع أن تحتفل الصحافة والإعلام بكل ما يقدمه النجوم، من أفلام وأغانٍ ومسلسلات وأعمال فنية متنوعة.
كان هذا أيام الإذاعة والتلفزيون والمجلة والجريدة? نحن اليوم في زمن التواصل الاجتماعي السوشيال ميديا? وهو زمن تراجعت فيه سلطة الإعلام الصحافي، وتقدمت عليه سلطة الإعلام الإلكتروني.
ومع هذا التقدم الذي يكاد يتحول إلى اجتياح جارف، صارت الفرصة أكبر وأسهل أمام أي شخص يهوى الفن بمختلف أنواعه، لكي يبرز أعماله مهما كانت بسيطة وعادية. وليست أغنية "هلا بالخميس" للمغني معن برغوث، أولى نجاحات التواصل الاجتماعي، ولن تكون الأخيرة. بعض الفنانين جرجرتهم مواقع التواصل إلى بئرها الخادعة، وجعلتهم ينسون الأساس، ويتلهّون بالقشور. بعضهم بل أغلبهم صارت أخباره كلها غير فنية، وتتناقلها المواقع الإلكترونية عبر ما ينشرونه على تطبيقات انستجرام وتويتر وفيسبوك وسناب شات.
لم تعد الأعمال الفنية أساس الخبر الفني، بقدر ما صارت "التحرّكات" اليومية للفنان هي صلب أخباره. وبدل أن نسمع أغنية جديدة، أو نشاهد مشهداً وصورة من مسلسل أو فيلم سينمائي، صرنا نشاهد الفنان أو الفنانة في المطاعم والنوادي الليلية? يرقصون يغنّون يتسامرون يتساءلون في جنون. هذا يجلس مع الأصدقاء في مكان عام ويصور لجمهوره صورة "سيلفي" أو صورة الطعام على مائدته. وتلك ترقص وتلاعب كلبها أو قطتها، وتلتقط لنا الصور وتخبرنا أن ماكياجها من "الفنان المبدع" وفستانها من "المصمم العالمي" وفنجان قهوتها الذي ترتشفه، من على شرفة الفندق الفخم في المدينة السياحية التي لا يزورها إلا الأثرياء والمشاهير العالميّين. هكذا صارت أخبارهم وأخبارهن عبارة عن تشاوف وتباهي و"مُجَاكَرة" بالزملاء والزميلات المنافسين.
أما الفنان المتقاعد والذي عاش نجوميته في الزمن الجميل، فيجلس أمام كاميرات الهواتف ليسجل لنا بعض أغانيه القديمة بالصوت والصورة، ولكن لا الصوت عاد ينفع ولا الصورة ما زالت تشفع.
على مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، نجد نجوماً أجانب، إما ينشرون آراء وأفكاراً شخصية، وإما نقداً سياسياً أو فنيّاً. أما العرض التشاوفي فقد احتكرته كيم كارديشيان وأسرة بنات آل "كارديشيان" ومن مثلهن لأنهن لا عمل لهن سوى مثل هذا? فلا هنّ مغنيات، ولا ممثلات. بينما في بلادنا، هذا الفعل صار للمغنّين والممثلين من الذكور والإناث? ولا عدنا نسمع من الغناء إلا القليل، ولا نشاهد من التمثيل إلا النوادر. الظاهر أن مشاهيرنا فهموا "التواصل الاجتماعي" خطأً!