بدأت الصحافة الفنّية تتناقل أخبار وتفاصيل برنامجين شهيرين يتكرران في كل موسم رمضاني، وهما برنامجا المقالب للفنانَيْن رامز جلال وهاني رمزي. رامز يحضّر مقالبه على الثلج في روسيا بمناسبة مونديال كأس العالم 2018  هناك، مُتقمّصاً دور الدب القطبي? أما هاني رمزي سيأتي إلى لبنان ليصوّر مقالبه بالفنانين. في البرنامج الأول سنرى رزان مغربي تتحد مع رامز جلال هذه المرة، إذ ستخدع النجوم وتأتي بهم للقاء تلفزيوني في موسكو، وتذهب معهم إلى التصوير فتقع الواقعة. لأن الدبّ المذعور الذي سيقوم بدوره رامز جلال، سيهجم ويُزمجر ويحاول تخويف المشاهير ضيوف رزان? هكذا سيفعل هاني رمزي أيضاً. الموضوع انكشف وصار مُملّاً ومستهلَكاً? النجوم الذين سيتقاضون مبالغ كبيرة مقابل التصوير المبرمج، سيقوم كل واحد منهم بأداء دور الإنسان المفاجأ والمذهول، ثم الغاضب والمنفعل بالمقلب. سيلعب كل واحد منهم دوره على أفضل ما يمكن، وسيتقاضى المال، ثم يضحك ويُمازح الممثل مُقدّم البرنامج، الذي سيلعب دور الخائف من ردّ فعل ضيفه. هكذا ستتكرّر المشاهد، وتمرّ علينا اللعبة السخيفة. طبعاً سخيفة، لأن ليس أبشع من السخرية من شخص خائف ومرعوب، وحتى ولو كان يمثّل هذا الدور. المفارقة أن تكاليف هذه البرامج السطحية، تتجاوز تكلفة بناء مدرسة، أو جامعة أو مستشفى. اللعبة «المسلّية» التي سنشاهدها، ستصل تكاليفها إلى عشرات ملايين الدولارات، وستدفع شركات الإعلان هذه التكاليف وأكثر، ونحن سنقول إنها مقالب مدروسة ومعروفة، لكننا سنشاهدها ونقبَل بها. سنشاهد هذه التمثيلية البغيضة بضحكة سخرية، لكننا سنشاهدها، وسنتابعها ونكتب عنها، وسنتناقل بعض المشاهد عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لن تصرف المحطات أي مبلغ مماثل لتصوير مسلسل ترفيهي تثقيفي? لن تصرف المحطات مبالغ مماثلة لمسلسل تاريخي، يحكي لنا عن شخصيات كبيرة مرّت بتاريخنا وكانت قدوة للأجيال. سنلغي من حياتنا مسلسلات مثل سيرة طه حسين، أو عباس محمود العقّاد وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمه، أو أعمال فيها مادة تستحق أن يعرفها جيل اليوم، وأهملتها الكتب والبرامج التلفزيونية والإذاعية. سنعود من جديد لننتقد أو نشتم رامز جلال وهاني رمزي وغيرهما، لأنهم سخروا من الناس في لحظات الخوف والضعف. وستأتي نجمة عالمية من أواخر الكرة الأرضية مثل باريس هيلتون، فتشارك في إحدى هذه الحلقات مقابل ثروة من المال، ثم تعود لبلادها لتقول إننا نفرح إذا شاهدنا إنساناً في لحظة رعب وخوف من الخطر والموت. والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: إلى متى سنظلّ نتعامل مع التفاهات تحت مُسمّى «ترفيه وإعلام ترفيهي»؟ إلى متى سنظلّ نصرف الملايين على السطحيات والأعمال الفنية «البايخه»؟ إنّ إصرار المحطات على إنتاج هذه النوعية من الأعمال التي لا تقدّم ولا تؤخّر، إنما يأتي من قناعة أننا جمهور يشاهد ولا يفهم. وأننا نعرف أنها محضّرة، لكننا نظل نقبلها. وسيظل النجوم الشغوفون بجمع المال، من أي مصدر أتى، يرضون أن يقفوا أمامنا لنسخر منهم ونضحك عليهم، مقابل حفنة من الدولارات. هكذا، هو توجّه الإعلام اليوم. لا يهم من يفهم أو يتعلم. المهم، أن البرامج ستأتي بمردود مالي للمحطة، وليذهب عقل الجمهور إلى جحيم الجهل والسطحية والسخافة. سننتظر شهر الإيمان، وستقدم لنا المحطات وجبات يومية من السخف ذات المردود المالي العالي.