()

التناقض بين روحي وواقعي يزعجني؛

بين طبيعتي ومن حولي

بين هدوئي وشراسة أصوات تتعالى في عالمي

رغم أنني لم أعش مترفة، ولم أولد في حقل مزهر أطارد فيه فراشاتي ولم تتمرغ طفولتي فوق فرش وثيرة..

ترعرعت معجونة بأملاح شاطئ ومرارات كثيرة...

ترعرعت في دبي حيث أبي وجدي

في تربة مالحة كانت سابقاً مرتعاً لمياه الخليج قبل أن يعتقلوهُ بصخور هائلة بيضاء، صخور لطالما قفزت فوقها مع سارة وعائشة وطيبة وليلى - وصديق أختي المجنون. وطاردت سرطانات البحر التي كانت تحفظ مواطن جحورها في قلب تلك الصخور أكثر مما أحفظ رائحة الأصداف والبحر والرمال وخبز أمي في صباحات الشتاء.

ترعرعت في الحد الفاصل بين مياه الخليج وتراب دبي، وتذوقت ملحها وحلاوتها حتى حملت ملامح الاثنين.. صفاء البحر، وحدة وخشونة الأملاح والتراب..

حملت رائحة الوطن فوق ظهري فلم أنحنِ يوماً سوى لله ولأجله وحين أقبِّل قدمي أمي قبل أن تنام..

على تراب الوطن انغرستُ وتداً وعلى رماله كتبتُ أول أسطري: مع حمد وطن. وأترك السطر أمانةً في ذمة الرياح لتصنع منه أرغفةً للجياع إلى الوطن؛ عائدة لبيتنا القديم والمزلاج والمفتاح والبئر الوحيدةُ العذبة في دارنا، والتي كانت تسقي كل سكان الحي.

لم أتعثر بزهرة كما كان يتعثر نزار، ولم أسقط على وردة، فإن حدث وسقطت أنهض على خدوش غائرة من أصدافٍ متكسرة وحجارة، ولا أبكي ولا أشتكي.. فالشكوى من الأرض في نظر أمي كانت نكراناً وعاراً.

هكذا تعلمت أن أتقبل واقعي..

وألتزم الرضا والصمت.