تعاني السينما تقلّصاً معوياً حاداً في رمضان، حيث لا يوجد ما يكفي من الأفلام الجديدة، باعتبار أن الأغلبية منشغلة بروحانيات الشهر الفضيل، ومتابعة المسلسلات التي يطلّق فيها جاسم زوجته للمرة الألف، والقتال في الهاشتاقات (الشحرورية)، ومباركة الزفاف الملكي. ومن باب مسايرة الأجواء العامة في هذا الشهر، ارتأيت أن أتصوّر السينما كسُفرة إفطار أو العكس، ليصبح كل طبق موازياً لفيلمٍ ما، وكانت النتيجة كما يلي:
التمر: وهو خير ما تُفتتح به السفرة، وتعادله في السينما الأفلام الخفيفة سريعة الهضم، واخترت لكم منها ثلاثة أفلام قصيرة تتراوح مدتها بين دقيقتين وسبع دقائق: Boo, Fresh Guacamole, Balance. الشوربة: باختلاف أنواعها سواءً كانت شوربة عدس أم فطر أم خضراوات، فهي تهيئ المعدة قبل العدوان الغاشم، وتطبطب عليها قبل أن تستقبل القنابل العنقودية والهيدروجينية والفوسفورية، وتوازيها في السينما أفلام الدراما الهادئة التي تبعث فيك شعوراً بالدفء والحميمية، وترتشفها على مهل، وبتأملٍ لذيذ، وقد اخترت لكم ضمن هذا الصنف ثلاثة أفلام: Life of Pi, Scent of a Woman, Goodbye Cristopher Robin. السمبوسة: وهي أُم الزيوت، وهرم الماسونية، والسبب الرئيس في توسيع ثياب العيد، لكنها شرٌّ لا بدّ منه، وتعادلها في السينما أفلام الأكشن الصاخبة، المحشوّة بالعنف والأسلحة الثقيلة، والتي تشاهدها لمجرد التسلية، لكن الإفراط فيها يسبّب التخمة والبلادة، ودعوني أطلق عليها مسمّى (الأفلام السمبوسية) ومنها على سبيل المثال: سلسلة Fast & Furious، سلسلة Transformers، سلسلة Mission Impossible وبعض أفلام Avengers فرّج الله كربهم. الثريد والهريس: وهما سادة السّفرة، ويُعدّان بمثابة الدول العظمى في مجلس الأمن، لهما تاريخٌ عريق وبينهما حربٌ باردة، ولا تستقيم المائدة إلا بهما، وتقابلهما في السينما الأفلام المنتمية لفئة الوزن الثقيل، والمخلّدة في الذاكرة، مثل: ثلاثية The Godfather، ثم فيلم Shawshank Redemption، وفيلم 12 Angry Men، وأضيف إليها أفلام المخرج كريستوفر نولان The Prestige, Inception, Interstellar. ورق العنب والمعجّنات وخبز الجباب والكبّة والفلافل: وهي المغريات الجانبية التي دائماً ما تشتّت انتباهك عن مركز السفرة، وتؤدي إلى الشبع المبكّر، ومع ذلك نسمّيها (خفايف)، وتوازيها في السينما الأفلام الكوميدية اللطيفة التي تتفق عليها أغلبية الأذواق، ومنها: Crazy Stupid Love, The Disaster Artist, Intouchables, We Are The Millers, The Campaign. - التبولة والفتوش: وكل أنواع السلطات التي تحاول الالتزام بها وأنت تسأل الله الثبات في الوزن والقول والعمل، بينما تقيس محيط خصرك بعد كل وجبة ليطمئن قلبك. وإن اعتبرناها أطباقاً صحية؛ فإن ما يكافئها في السينما هي الأفلام التالية: Into The Wild, Captain Fantastic, Forrest Gump, Amelie. الفيمتو: هالة من الغموض تحيط بهذا المشروب الذي يتصدر المائدة طوال شهرٍ كامل، بعد أن يزيح الغازيات وجميع العصائر من المشهد، ثم يختفي كأن لم يكن، ويعود مجدداً كقاتلٍ متسلسل يتبع نمطاً معيناً، ولذا فإن الفيمتو في السينما يعادل بالنسبة إليّ أفلام الجريمة والغموض، واخترت لكم ثلاثة أفلام إسبانية جهنمية، تشيب لها رؤوس الشياطين وهي مصفّدةٌ في سجنها: The Invisible Guest, The Body, The Hidden Face. البرياني والكبسة والمجبوس: والمنسف والمسخّن والمندي والمظبي والمدفون والمعصوب والمضروب والمنفوخ والمخنوق والمصلوب والمشنوق وكل ما يُضرب بالخمس، وتستلقي بعده على ظهرك كحوتٍ نافق جرفته الأمواج إلى الشاطئ، وأنت تفكر إن كنت ستصمد حتى الركعة الرابعة من صلاة التراويح. ولعل أكثر ما يشبه هذه الأصناف في السينما هو أفلام الحروب والإثارة الدموية ومنها: Gladiator, Hacksaw Ridge, Apocalypto, The Hateful Eight, The Belko Experiment, Saw, 300, The Raid/Redemption. أطباق التحلية: الكنافة واللقيمات والقطايف والبقلاوة والبسبوسة والكريم كراميل والمهلبية والراسملاي، وإن قست وزنك الآن فستجد أنك زدتّ كيلو جرامين لمجرد قراءة ما سبق. هي مسك الختام حتى وإن كانت غنية بالسعرات الحرارية حرقها الله، ولا تُقبِل عليها إلا بعد أن تستودع الرحمن وزنك، فأولها انتشاءٌ وآخرها تأنيب ضمير، ولذلك فإن ما يشبهها في السينما هو تلك الأفلام التي تمنحك متعة بصرية ساحرة، زاخرة بالألوان والبهجة، لكنها مشوبةٌ بحزنٍ طفيف يرقّ له قلبك، ومن هذه الأفلام: The Grand Budapest Hotel, Loving Vincent, Atonement, La La Land.