هناك ثقب أسود هائل في مكانٍ ما من المجرّة، يُفتح بمجرّد الإعلان بأن غداً أول أيام عيد الفطر، ليبتلع كل مسلسلات التلفاز الرمضانية، ويُعيد تدويرها لترجع إلينا في العام المقبل بحلّة جديدة، ولكن بالمكوّنات والمذاقات نفسها، مثل بيض أومليت يتحوّل إلى بيض مخفوق، أو العكس، ولا فرق بينهما أكثر من الفرق بين Etisalat وdu، وهكذا فإننا من البيض وإلى البيض نعود. ولم أبدأ بالحديث عن المسلسلات إلا لأصنع منها ممراً شرفياً لمعشوقتي السينما، ولأفرش لها سجادتها الحمراء بعد غيابها في الفترة الماضية، فقد حبستْ أنفاسها شهراً وها هي تخرج إلى السطح مع مطلع هلال شوال، متألقة ومحمّلة بالعيديات التي لا يكبر عليها أحد. (أين ذهبتَ في عطلة العيد؟).. ما زلت أتذكر هذا السؤال الذي كان يوجَّه إلينا مع عودتنا إلى المدارس، ويُعد ثاني أكثر الأسئلة إحراجاً بعد (كم جمعت عيدية؟)، وعندما كان يحين دوري في الإجابة؛ كنت أتنحنح وأطأطئ رأسي محاولاً إيجاد مهرب، فأنا لم أكن أذهب في تلك الأعياد إلا للدكان الذي أُنفق فيه نصف ثروتي الصغيرة لشراء ما لذّ وطاب من نافخات الخدود ومسوِّسات الأسنان، أو لمتجر الألعاب الذي أخرج منه مسلحاً بمسدسات الماء استعداداً للدخول في الحرب المقدسة ضد مهرّبي (الشلّق) والمفرقعات المحظورة في الحارة. عموماً، فقد كنت أخجل من ذكر مغامراتي التافهة، فأضطرّ للكذب على الأستاذ وزملاء الفصل، غفر الله لي، وأقول إنني ذهبت إلى جبل حفيت في العين، ليسود ذلك الصمت الوقور، وتسري همهمات الإعجاب، فقد كان حفيت آنذاك بمثابة وجهة سحرية تُنسج حولها الحكايات والأساطير، وقد استخدمته كورقة رابحة طوال مرحلتي الابتدائية تقريباً، قبل أن أكتشف جبل جيس في رأس الخيمة. أمّا إن سُئلت السؤال نفسه في يومنا هذا؛ فلن أجد أي حرج في أن أقول إنني كنت نائماً طوال نهار العيد، وذهبت في الليل إلى السينما، وكفى بتلك إجابة. الوقت المثالي للذهاب إلى السينما في العيد هو الثانية عشرة منتصف الليل، لأسباب عدة: أولها أنك ستكون قد تعافيت من آثار الغيبوبة الجماعية، وثانيها أنك نلت ما يكفي من الوقت لتهنئة الأقارب الذين تعرفهم والذين لا تعرفهم من المحيط إلى الخليج، وثالثها أنك ستنجو من ازدحام الأهالي في أوقات الذروة، فأنت لا تريد الجلوس إلى جوار طفل يزحف طوال مدة الفيلم تحت كرسيه باحثاً عن عيديّته الضائعة، أما السبب الأخير فهو أنك لن تخشى اتساخ ثياب العيد بجبنة ناتشوز غادرة أو بقعة كولا طائشة، لأنك وصلت إلى نهاية اليوم، و(كشختك) حينها لا تهم، فلن تقابل فتاة أحلامك وأنت خارجٌ من القاعة في الثانية صباحاً، إلا لو كانت قد استجابت لنصيحتي وذهبت إلى السينما في توقيتك نفسه. جرت العادة أن تكون أفلام العيد غالباً من النوع التجاري الذي يستقطب جمهوراً غفيراً يعوّض السينما عن جفافها في شهر رمضان، وفيما يخص هذا العام، يبدو أننا على موعد مع فيلم ADRIFT المستند إلى قصة حقيقية عن حبيبين يقرران الخروج في رحلة بحرية عبر المحيط، قبل أن يجدا نفسيهما في مواجهة إعصارٍ مدمّر. الفيلم من بطولة الشابة (شايلين وودلي) التي بزغ نجمها في فيلم The Fault In Our Stars وسلسلة Divergent، ويشاركها في التمثيل النجم (سام كلافلن) المشهور بأدواره الرومانسية في فيلمي Me Before You و Love Rosie، ونستنتج من الإعلان الدعائي للفيلم أنه يتمحور حول الصمود والنجاة في الظروف العاتية وسط البحر، مما يذكّرني بفيلمين آخرين هما In The Heart of The Sea و All Is Lost. الفيلم الآخر الذي قد يُعرض في العيد سيكون مفاجأة سعيدة لو تحققت، فعلى الرغم من أنني شاهدته مراراً وتكراراً في فتراتٍ مختلفة من عمري، إلا أنني لم أحظَ بفرصة مشاهدته في السينما، حيث إنه عُرض لأول مرة قبل 42 سنة، وأتحدث هنا عن فيلم الرسالة الذي يتناول قصة النبي محمد (صلى الله عليه وسلّم) بالتزامن مع بزوغ فجر الإسلام، والعمل من إخراج العالمي الراحل مصطفى العقاد، وأعلن ابنه مؤخراً استعادة الفيلم بتقنية 4K ليُعرض في صالات السينما العربية في فترة عيد الفطر السعيد، وكل عامٍ وأنتم بخير. تذكرة لي ولكم فيما يلي اقتباسات أعجبتني وقمت بتسجيلها في هاتفي على عُجالة أثناء مشاهدتي الأفلام في السينما: - (كنا ننظر إلى السماء ونتساءل عن مكاننا في النجوم، اليوم ننظر إلى الأرض ونتساءل عن مكاننا في التراب) Interstellar - (إذا كشفت نقطة ضعفك لامرأة؛ ستنتزع أحشاءك) The Bachelors - (دائماً؛ غادر الحفلة في أوْجها.. حتى لو كانت في أكثر لحظات استمتاعك بها) Crooked House - (إذا كنت قادراً على عدّ أموالك؛ فإنك لست مليارديراً) All The Money In The World - (لا تدع المكان المنشود يستحوذ على تفكيرك بحيث تغفل عن روعة المكان الذي أنت فيه) Passengers - (عندما تكونين بين الحشود، أنتِ الوحيدة التي أراها.. الآن أنت بمفردك معي ولا أعرف كيف أنظر إليكِ!) Dhoom 3 - (إنه خائف.. لهذا السبب لا يكفّ عن الكتابة) Genius - (النساء يدخلنَ أحياناً في مزاج لا تستطيع فهمه، إن قدّمتَ لهنّ أكبر ماسةٍ في العالم؛ يشتكينَ من وزنها!) The Drop