نوال مصطفى.. صحافية وكاتبة وأديبة مصرية، بدأت حياتها الصحافية في دار «أخبار اليوم»، في عام 1980، وتميّزت بالخط الإنساني في كتاباتها، شاركت في ندوات ومؤتمرات دولية خاصة بالمرأة والأدب، صدر لها العديد من الكتب، وتحوّل بعضها إلى مسلسلات تلفزيونية، تُعدّ من السيدات العربيات الملهمات لحملها قضايا المجتمع، وقد حصلت مؤخراً على جائزة «صنّاع الأمل»، التي تأتي ضمن مُبادرات سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم العالمية. ونوال نالت الجائزة لدورها الإنساني الرائد في موضوع النساء الغارمات في مصر، عدا كونها مؤسس ورئيس جمعية رعاية أطفال السجينات. • أي صدفة دفعتك إلى إلقاء الضوء على النساء السجينات؟ - هي بالفعل صدفة، فقد كنت في مهمة صحافية لإجراء تحقيق عن نزيلات سجن القناطر في مصر، فإذا بأطفال السجينات يستقبلونني في باحة السجن، فصُدمت. ثم اكتشفت لاحقاً واقع السجينات مع الفقر، وأبْعَاد ذلك الواقع على المجتمع المصري والمرأة والأسرة بالتحديد، خصوصاً أن معظمهن ارتكبن جُرم التوقيع على إيصالات أمانة لا أكثر، ويجهلن القوانين وما إلى هنالك من حقوق لهنّ، فقررت مساعدتهن. تأهيل وتشريع • عملت على مساعدة السجينات وأطفالهن أيضاً. فماذا حققت إلى اليوم؟ - أسّست مركز تأهيل داخل السجن، ودرّبت أكثر من 500 سجينة على بعض المهن لكسب رزقهن داخل السجن وخارجه، وساعدت على إطلاق صراح ألف سجينة أخرى، وأقدم مساعدات عينيّة بصفة مستمرة لأكثر من 2500 أسرة من أسرهن. كما أسّست جمعية «رعاية أطفال السجينات» لتُتابع حالات الأطفال الذين يعيشون داخل أسوار السجن مع أمهاتهم وتوفير احتياجاتهم، مثل الطبابة والعلاج، والتكفّل بالمصاريف المدرسية، واستصدار الأوراق القانونية والثبوتية الخاصة بهم. • هل حقاً تسعين إلى تعديل قانون تشريعي لمنع سجن الغارمات في مصر؟ - هذا صحيح، فأنا بصدد تعديل قانون تشريعي لمنع سجن الغارمات في مصر، وأراهنّ سجينات الفقر، واستبدال عقوبة السجن بالخدمة العامة خارج السجن. أعرف أن مشواري صعب وطويل، ولكنني طرحت هذا القانون بمقتضى نص قانوني مدروس ومحكم لمناقشته في مجلس النواب. وبصراحة، أبني عليه لأغيّر وأحدث الفرق. لو كان الفقر رجلاً.. • بعد 30 عاماً كرّستِها لمناصرة النساء السجينات، هل اختلفت نظرتك إليهن اليوم؟ - كلما تعمّقت في قضاياهن، اكتشفت أن عالم ما وراء القضبان يحتاج إلى 10 سيدات مثل نوال مصطفى ليساعدنهنّ. قضايا السجينات مُعقدة ومأساوية ومليئة بالدموع، وأنا أحاول قدر المستطاع أن أخفف قليلاً من وطأة هذا الظلم. • في رأيك ما المحرّض الأكبر على ارتكاب الجريمة، الفقر أم الجهل؟ - بحسب مراقبتي الشخصية، أستطيع ترديد مقولة «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، لأنه وراء الجهل والمرض، وهو المسبّب لآفات كثيرة وكبيرة وخطيرة، والمسؤول الأول عن جرائم تُرتكب باسمه. في سبيل الخير • ماذا يعني لك أن تكوني ناشطة على الصعيد الإنساني؟ - صناعة الإنسان أسْمَى صناعة، وقد اعتدت العطاء. تكمُن سعادتي في التخفيف من أثقال المتعَبين، الذين جار الزمن عليهم وظلمهم بشكل أو بآخر، ولم يجدوا أحداً يُساندهم أو يقف إلى جانبهم في أيام المحن. فلو قررنا مد يد العون إلى من يحتاج إليها، سنُحدث المعجزات. • المبادرات التي تُكرّس عمل العطاء وبناء الإنسان، ما أهميتها لمجتمعاتنا؟ - أعتبرها من أنْبَل المبادرات. هي ضرورية بلا شك، وتُعلّمنا أن نعطي من قلوبنا وجهودنا وأوقاتنا، وهو أمر مؤثر جداً، فمجرد التفكير في أن هناك من يُقدّر العمل الإنساني تكون الفكرة نبيهة ومشكورة، وخطوة تشجّع صانعي الخير على المضي قُدماً في مساعدة مجتمع في أشد الحاجة إلى أعمال نبيلة، تُقدم لفئات حُرمت من أقل حقوقها للعيش بكرامة. • كونك إعلامية بارزة، هل سخّرت موقعك لخدمة القضايا الاجتماعية التي تبنّيتها؟ - سخرت قلمي طول حياتي للجانب الإنساني، وقد أكون عُرفت في مصر بهذا الجانب بالتحديد. لطالما شدّتني القصص الإنسانية، ولا أنكر أن النزعة إليها وإيجاد حلول لها، هي التي تسيطر عليّ وتعتمل بداخلي كالنار، أو مثل دوّامة البحر التي أرى نفسي في وسطها ولا أحسن الخروج منها. • هل تغلب القضايا الاجتماعية والإنسانية التي تتابعينها على تقدمك المهني؟ - من الواضح أن كتابات أدبية ودرامية كثيرة تتعطل في سبيل العمل الإنساني، لكنه قدري. واتكالي على الله، لأنه سبحانه الذي يدفع بمركب الخير، ويبدو أن الرياح هي التي تأخذني في هذا المركب ولو على حساب مهنتي. الحاجة إلى الأمل • ماذا يعني لك حصولك على جائزة «صنّاع الأمل»؟ - هي من أغلى الجوائز التي حصلت عليها في حياتي، لأنها من إنسان أقدّره وأحترمه جداً، وهو صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي (رعاه الله). إنّ صانع الأمل يحتاج هو أيضاً إلى من يعطيه الأمل، وهذه الجائزة بمثابة الأمل والفخر، تحثّني على التمسّك بصناعة الأمل وبناء أجيال من صناع الأمل. • ما أبرز الجوائز التي حصلت عليها في مسيرتك؟ - جائزة نقابة الصحافيين المصرية عام 1990 في الحوار الصحافي، عن الحديث مع بناظير بوتو رئيسة وزراء باكستان السابقة. وجائزة مصطفى وعلي أمين عام 1995، عن أفضل قصة صحافية إنسانية. وجائزة أفضل كتاب عام 2000، وجائزة الدولة للتفوق في الآداب عام 2007. • أسّست مركزاً لتأهيل السجينات وجمعية لرعاية أطفالهن، وأنت عضو في أكثر من مؤسسة ولجنة، وتشغلين مناصب عدّة. ماذا بعد؟ - لا يمكنني توقّع ماذا ينتظرني بعد، ولكنني أعي أن الحلم لن يتوقف. أتذكر أنني حين بدأت مشوار التحدي في أعمال الخير كنت وحدي، وسخرت قلمي لألفت الانتباه وكان لي ما أردت، حتى إنني وجدت نفسي ألهم غيري على بناء الإنسان الذي هو الأساس. هدفي أن أغيّر في المجتمع وأدفع كل فرد فيه لأن يمد يده إلى أخيه الفقير والمظلوم ويُعيد الأمل إلى قلبه، فلا يشعر بأنه متروك وحده في هذا العالم.