من الضروري جداً، أن يكون للنجم الكبير مدير لأعماله في حياته، ولكن تعيين مدير لأعمال الفنان بعد رحيله أمر لا يقلّ أهمية عنه في حياته. فالفنان يرحل عن دنيانا الفانية، وتبدأ الأقلام تروي عنه الحكايات والقصص وغالباً الأكاذيب. والجمهور، يصدّق ويردّد هذه الحكايات حتى تصبح مكرّسة كحقيقة في سيرته الذاتية. منذ مدة قصيرة، كتبت على هذه الصفحات من «زهرة الخليج»، أن الموسيقار الراحل فريد الأطرش ترك سرّاً ابنة اسمها سميحة. وأنها كانت ستتزوّج الفنان سمير صبري، لولا أنهم أبعدوها عنه وزوجوها لشخص آخر. وكتبتُ أنها أنجبت أولاداً وتوفيّت، إلى آخر السيرة التي نشرتها. والحقيقة أن مصادري كانت من مجلّة «الموعد» اللبنانية التي كان يرأس تحريرها الكاتب الصحافي الشهير محمد بديع سربيه. وكانت المجلّة تنشر الكثير من التفاصيل عن الموسيقار بعد رحيله، كنوع من الانفرادات نظراً للصداقة الكبيرة بين رئيس تحريرها والموسيقار الراحل. كنت بصفتي «أكبر معجب» بفريد، أشتري هذه المجلات وأحتفظ بها، والطبيعي أن أصدّق ما تنشره بشكل تام وبثقة عمياء. ولما صرت صحافياً، أصبَحَت هذه المنشورات الكثيرة، مصادري في بعض ما أكتبه. ومنذ أيام، كلّمني زميل في مصر، ومن حديثه علمت أنه يجلس في أحد مقاهي القاهرة، وعلى مقربة منه يجلس الفنان سمير صبري. فطلبت منه فوراً أن يذهب إليه ويسأله عن سميحة، «ابنة فريد الأطرش» المزعومة، والتي كانت مجلة «الموعد» قد نشرت حكايته معها. وكانت المفاجأة أنه تذكّر الأمر وسخر من الخبر. وأخبرنا أنها قصة وهمية من تلفيق الصحافي الراحل محمد بديع سربيه. وأنه «لا توجد سميحة، ولا من يسمحون». وأضاف، هو سربيه الله يرحمه، وضعني شاهداً على قصة من خياله، للإثارة فقط. وهو كتب ما كتبه، ولا أعرف من أين جاء بالصور التي نشرها مع الموضوع. يعني خلاصة الكلام، أن الصحافة اخترعت قصة ورواية عن الفنان الكبير بعد رحيله، ودعمت الرواية الكاذبة بالصور المزيّفة (صور سميحة وزوجها وأولادها)، وبشهود الزور (الفنان سمير صبري). هكذا بكل بساطة، كتب الصحافي محمد بديع سربيه سيرة فريد الأطرش «على حسب وداد» خياله. ولولا أن الفنان سمير صبري أخبرنا بهذه الحقيقة، وعن طريق الصدفة، لكانت في سيرة فريد الذاتية حكاية ابنة وأحفاد وأسرار لا وجود لها إلا في خيال مؤلفها. «كل هذا كوم، وحكاية صمت أسرة فريد الأطرش عن هذه الكذبة كوم تاني». فنحن لم نسمع على لسان فؤاد الأطرش شقيق الموسيقار الراحل، أي نفي أو اعتراض على هذه الرواية. ولا أحد من أسرته تكلّم أو نفى. تركوا لخيال السيد سربيه أن يشطح بالتأليف، ولا أحد اعترض. ولو جاء بعد حين من يكتب السيرة الذاتية لموسيقار عصره فريد الأطرش، لكان سيضع هذه الحكاية الوهمية من ضمن أبرز الأحداث الدرامية. لهذا السبب على النجوم أن يأخذوا حذرهم مما سيكتبه عنهم الصحافيون بعد الرحيل. وكم من أكاذيب نشرها بعض الصحافيين، فقط للإثارة والتشويق، ولكن على حساب سمعة نجوم كبار. والآن، نعود عن كل هذا، وننشر أنها كانت كذبة وخيالاً، وليسجّل المدوّنون أنها لم تكن إلا حكاية من نسج خيال فقط لا غير. وليرحم الله فريد الأطرش.