في طفولتي وبدايات مراهقتي؛ لم أكن متبحراً في عالم الكتب، واقتصرتْ قراءاتي في حينها على بعض الروايات العالمية المترجمة مثل «جزيرة الكنز» و«الزنبقة السوداء» ومؤلفات أغاثا كريستي البوليسية. أما ولَعي الأكبر فكان متمثلاً في سلسلة مصرية من روايات الجيب تُدعى «رجل المستحيل» - ولعلّ فئةً من جيل التسعينات تُكفكف دموعها الآن - وكنت أحرص مع إخوتي على اقتناء جميع أجزائها، حتى صارت تُزاحم مجلّدات التفسير وموسوعات التاريخ وصحيح البخاري في مكتبة أبي القديمة.
«رجل المستحيل»
وتتحدث السلسلة عن ضابط مخابرات اسمه (أدهم صبري) يتميز بقدرات ذهنية وبدنية تكاد تكون خارقة، ويتلاعب لوحده بعصابات وأجهزة دول، بل ويتسبّب في انهيارها، ولم يمنعه التقدم في السن من إكمال مغامراته في مشارق الأرض ومغاربها، وهكذا؛ قفز اسمه إلى ذاكرتي فجأة وأنا أشاهد الجزء السادس من فيلم «المهمة المستحيلة»، ووجدتّني أهمس لأخي الجالس بجواري في السينما: «ألا يذكّرك توم كروز بأدهم صبري؟».
عُرضت تذاكر الفيلم للبيع قبل أسبوعين تقريباً من نزوله، وفي دار السينما التي أرتادها؛ خُصّصت ست قاعات بأكملها لعرض Mission Impossible لوحده!
الدفع بعد العرض
وأتخيل في بداية السنة؛ حين تطلب إدارة (المول) من مدير السينما أن يدفع الإيجار، يُجيبهم: «سأدفع لكم بعد فيلم توم كروز»! ولأُصدقكم القول، لم أكن أنوي مشاهدة الفيلم، فأفلام الأكشن البحت لا تستهويني إلى تلك الدرجة، وغالباً ما تكون متابعتي لها مجرد أداء واجب، فسلسلة «المهمة المستحيلة» لا بد أن تكون في سيرتك الذاتية، شأنها شأن شهادة حسن السيرة والسلوك، لكن الأمر كان مختلفاً هذه المرة، فالفيلم أثار عاصفةً غير مسبوقة في أيامه الأولى، واخترقت تقييماته سقف التوقعات لتصل إلى حدودٍ خرافية، وخلع النقّاد عباءة الصرامة والتزمّت، ّوبعد كل الجنون الذي أثاره في العالم؛ كان لا بدّ من اكتشاف السر الذي يميّز هذا الجزء بالذات من Mission Impossible.
الرتم: كلمة السر
لا يوجد جديد في القصة، هناك إرهابيون وقنابل بلاتينيوم وأنتم تعرفون الباقي. لكن الإبداع يكمن في إدارة الأحداث، وبعبارةٍ أخرى: الرتم هو كلمة السر، فيالهُ من إنجاز أن تصنع فيلماً مدته ساعتان ونصف الساعة مع استحواذك على انتباه المشاهد طوال هذه الفترة، من دون أن تمنحه فرصةً لالتقاط أنفاسه، لدرجة أن يندم المرء على الذهاب لدورة المياه في منتصف العرض، ويرجو صديقه أن يحكي له ما فاته في غيابه. بالإضافة إلى ذلك، فالفيلم متفوقٌ في مجاله، وينقل الأكشن إلى مستويات لم نعهدها من قبل، ويحوي كل ما تشتهيه الأنفس من إطلاق نار وانفجارات وقتال بالأيدي والسكاكين ومطاردات بالسيارات والدراجات والطائرات، وكل هذا بإخراجٍ جبارٍ ومدهش.
إصابة في الكاحل
أثناء تصوير الفيلم؛ تعرّض توم كروز لإصابة شديدة في كاحله بعد أداء مشهد القفز من سطح مبنى إلى آخر، مما تسبّب بإيقاف التصوير لشهرين، وحين قام مقدّم البرامج الشهير جيمي فالون باستضافة بطل المهمة المستحيلة؛ أخبره بأنه حين كان يتابع الفيلم، لم يعرف بالضبط أي مشهد أُصيب فيه، حيث إن الكثير من المشاهد بدت خطيرة، ولعلّ هذا أحد أسباب نجاح السلسلة، فالممثل البالغ من العمر 56 عاماً، يصرّ على عدم استخدام بديل أو خدعة بصرية في كثير من المشاهد الصعبة، ويؤديها بنفسه لتبدو حقيقيةً أكثر، وهو ما يذكّرني بالممثل الشهير جاكي شان، الذي ينتهج الأسلوب نفسه في أفلامه، وتعرض لإصابات عديدة طوال مسيرته المهنية، إلى أن حصل أخيراً على أوسكارٍ شرفي في عام 2016، مما يدفع البعض إلى التساؤل: متى يحصل توم كروز على الأوسكار، ولو مجرد جائزة شرفية؟