بريشة قادرة على العطاء والفعل والحياة رسمت الإماراتية التشكيلية والباحثة في تاريخ الفن، علياء زعل لوتاه، حلمها وصخبها الداخلي وطموحها الإنساني، وفي عملها أمين مقتنيات مساعد للفن الحديث والمعاصر في «متحف اللوفر» أبوظبي، وبما تملكه من جرأة وتَميُّز، تعمل باستمرار على حقن أوردة الحركة الثقافية في الإمارات بمصل الرقي والإبداع.
ففي بيئة مُتْرَعة بالفنون نشأت علياء، حيث شكّلت لها ميول أسرتها الفنية عالماً من الجمال الحقيقي، رافق ريشتها ومسيرتها، تقول عن طفولتها «عشت في بيت يضج بالفن، فوالدي على الرغم من ضعف نظره، كان فناناً موهوباً بالفطرة، والدتي وأخواني كذلك، أخي المرحوم كان نحّاتاً، مارست الفنون بأنواعها كالرسم والتصوير والنحت وغيرها منذ طفولتي».
رحلتي مع التاريخ
لم تكن تلك البيئة المحفّزة للإبداع الوحيدة التي تأثرت فيها علياء، تَبيّن بالقول: «تأثرت بكثير من أساتذتي في الجامعة، واطّلاعي على «ميشيل فوكو» و«بودلير»، وأبحرت بشغف في عوالم الفلسفة والنقد وغيرها، وضعت عَمّتي الدكتورة مريم لوتاه، التي كانت تدرس في جامعة الإمارات في قسم العلوم السياسية، بصماتها على مسيرتي، إذ كنت أحضر محاضراتها عن الثقافة والهوية، ممّا جعلني أدرس تاريخ الفن».
أمّا عن دوافعها الأخرى لدراسة تاريخ الفنون، فتُلخّصها قائلة: «رغبت في مساعدة الأجيال القادمة، للحصول على مَراجع وتاريخ ورؤية، درست تاريخ الفن العالمي، وتخصصت في تاريخ الإمارات، ووظّفته لتكريم فنانين أعتز بهم، لقناعتي بأن لدى الجميع مسؤولية اجتماعية تجاه المبدعين».
الفنون هي الحياة
وفيما يخص تجربتها التشكيلية تقول: «تنبُع أعمالي من مُحيطي وحنيني إلى الذكريات، تعكس دواخلي وتقترب الصور في مُخيّلتي من الواقعية والتجريديّة، أحاول أن أراها كما تراها عينا أبي في ضعفهما وأكتشف الأبعاد التي يستقبلها، أمعّن النظر في الإضاءة باللون، فتنتج ألواني الزيتية هالة من الغموض على ما أنجز».
لوحات علياء بالنسبة إليها، مَشاهد تُحاكي الذاكرة وتُرمّم ثقوبها بما اختزنته من تفاصيل يومها، تؤكد: «ذاكرتي تُعيدني إلى نفسي، وهكذا أرْدمُ الهوّة بين الفن ويومياتي، لأن الفنون هي الحياة بالنسبة إليّ، أحياناً أستيقظ لمجرّد رؤية شروق الشمس ثم أعود لأكمل نومي، أرى الفنون في الأشجار وألوانها، في الغروب، في الرمال، حتى لو لم أنتج يومياً، ولكن عقلي يعمل على تدوير كل هذه المشاهد لتظهَر على أعمالي».
تجربة ثريّة
في تقييمها لتجربتها مع اللوفر، تقول: «مسيرتي مع هذا المتحف التاريخي بدأت مبكرة، ومنذ أن كنت طالبة في الجامعة، إذ رغبت في معرفة ما معنَى العولمة الثقافية؟ وكيف تؤثر فينا في المشهد الفني الإماراتي؟ وماذا سيَضيف إلينا متحف عالمي كاللوفر، وأكملت في برنامج الدراسات العليا في تاريخ الفن، بالتعاون مع «جامعة اللوفر» باريس. وتشير علياء إلى أن بحث تخرّجها كان موضوعه مُقارنة «متحف اللوفر» أبوظبي، مع (مركز بومبيدو للفن الحديث) في باريس، والذي يُعرف باسم «حداثات»: «قارنت بين مفهوم العولمة الثقافية لدينا في الإمارات وبين فرنسا، وقابلت كل ذي الصلة، وعندما عملت في اللوفر بقسم المقتنيات، كانت لديّ خلفيّة عن علم المتاحف وخاصة «اللوفر أبوظبي»، وأجمل لحظاتي عندما عندما كنت أتجوّل فيه وأرى بعض الأعمال التي كنت شاهد عيان على اقتنائها» تواصل حديثها: «هي تجربة ثرية، اكتسبتُ منها معارف شتّى والتقيت خبراء وفنانين مؤثرين في الفن، وهو مكان ساعدني على فهم الفن بمنظور عالمي، وفخورة بأنني بدأت مشواري في المتاحف خاصة في اللوفر».
غياب المرأة
ولا تعتقد علياء أن المرأة تاريخيّاً غابت عن عالم التشكيل، وإنما تم تغييبها: «ومن أيام الباحث جورجيو فزاري في إيطاليا «عصر النهضة» الذي كان يكتب عن الفنانين في مجموعة سمّاها قصة الفنان، وكتب فيها عن «مايكل أنجلو» و«دافنشي رافايللو» وغيرهما، وعرفناهما لأنه لم يذكر غيرهما، ولكن كانت هناك في الحقبة نفسها، فنانة تُدعى أرتميزيا جنتيلتشي لم تُذكر، ولم يؤرّخ لها».
وتضيف: «المرأة الفنانة كانت دائماً حاضرة في الفنون حتى في العالم العربي، كان لديها الوقت للأعمال اليدوية والحرفية والفنون التشكيلية بحُكم وجودها في المنزل، وكانت الأميرات في أوروبا والطبقة الأرستقراطية يقضين أوقاتهن في ممارسة فنون كثيرة، لكن الذين كتبوا عن الفن معظمهم كانوا من الرجال فلم يُذكرن».
وتتابع لوتاه: «لذلك أستشعر مسؤوليتي اليوم في التوثيق للتشكيليات، وحرصت على أن يكون هناك إماراتيات فنانات في معارض «متحف اللوفر» أبوظبي، وغيرهن من جنسيات، مثل الفنانة السعودية مها ملوح، وتسليط الضوء على من نَساهُنّ التاريخ».
ومن قراءتها للمشهد الفني التشكيلي الإماراتي في العقد الأخير، تختتم علياء زعل لوتاه قائلة: «الحركة التشكيلية الإماراتية تزدهر بشكل جيّد، وهناك الكثير من المشاريع القيّمة والرائعة، مثل «متحف اللوفر» أبوظبي، «السركال أفنيو» دبي، «أبوظبي كلاسيك» و«بنيالي الشارقة»، لدينا مشهد ثقافي فنّي ثري للغاية، راقٍ ورائع، ووضعنا بصمتنا في العالمية، ولا يزال الحاضر يحمل وعوده المستقبلية».