كلما قرأت قصائد الشاعرة عوشة بنت شملان «توفيت في النصف الأول من القرن الماضي»، أتخيلها وهي تمسك بخطام بعيرها «شملان»، وعلى ظهره قِرَب الماء، بينما قلبها معلّق في منطقة برج المقطع، حيث يعبر الظاعنون للمقيظ من أبوظبي إلى العين، من دون أن يأخذوها معهم، لأنها كانت تعمل في مهنة نقل الماء بين منطقتي البطين والمقطع لتموين حراس برج المقطع وسفن الغوص على اللؤلؤ، ثم تستحضر من تلك الرحلة مشهداً ليلياً، حيث القمر يبدو منعكساً في مياه الخور، بينما تتحرك الإبل بمعدات ركوبها وأنسجتها على ظهرها، بألوانها وزخارفها، ليقفز خيال الشاعرة بعد ذلك إلى أماكن الغوص، حيث يخاطر الرجال بأرواحهم بحثاً عن اللؤلؤ في عمق البحر لأربعة أشهر، يواجهون مخاطر وأهوالاً شديدة، في سبيل العودة بما يكفل الحياة الكريمة لهم ولزوجاتهم في ما تبقى من أشهر السنة.

مَ احـــلاكْ يا بِرْي المـــــقــاطـع       ياللي عليك القلب شَفْقان
يوم القِمَرْ في الخور ساطِعْ       والرَّقْم زاهي بين الاضْــــــعان
والرّيل بايِتْ في القــــواطِـــع       يَشْكِي الوزا من عوق طَنَّان
ويقــــول انا في القوع قاطِعْ      كِــــلّه لْعــــيـنا دِعْــــج الاعْـــيــــان

ثم تعود بنت شملان إلى القمر في ليلة اكتماله بدراً، فتخاطبه بحزن شفيف، نادبة حظها الذي أدبر عنها، قائلة:
يا بدر شوف الحظ تدبير      عنّي وخر النجم من فوق
حَدْره ولا يت بي محاذير      يا هيه يا من وِخذ بالبــوق

ومن قمر عوشة بنت شملان، إلى قمر الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي «رحلت عن عالمنا قبل أسابيع قليلة»، التي حلمت في صغرها بأنها تبتلع القمر، ثم نفاجأ بعودة ذلك القمر في قصائدها بقوة، وهي القائلة:
يا قمر شوّال في الغايه       إنت عيدي لي بك سعودي

ثم تبث للشمس شكواها بينما تسامر القمر ليلاً، قائلة في قصيدة أخرى:
أشتكي للشمس واسمر للقمر      وين سيدي لي عليك يزيد نور؟

وتعود في قصيدة أخرى لترسم للقمر - الذي تشبه قلبها به - صورة أخرى بين المصابيح في الظلام، قائلة:
لي تاح قلبي في الهوى توح       توح القمر بين المصابيح

لقد امتزج القمر بذات الشاعرتين وأشعارهما، وكان جزءاً من الصورة الشعرية لديهما بحرفية عالية.
إنهما شاعرتان نفتخر بهما، إذ سطرتا حضوراً خالداً في تاريخ الأدب الإماراتي، وأنارتا سماء تاريخنا وحضارتنا كأقمار لا تغيب.