على الرغم من قصر قامته، إلّا أن لمصمم الأزياء التونسي العالمي، عز الدين عليّة، قصة إبداع طويلة تمتد إلى 82 عاماً، حتى توفي في 18 نوفمبر 2017، ليُسقط فراقه دمعة على نسيج الموضة المعاصرة. أتّقَنَ مُلهمنا فارس الأزياء وأحد أكثر مصمميها العصاميّين استقلالية، لغة التحاور مع الأقمشة، وأمْعَن في تطويعها لتتناغم مع الجسد الأنثوي وتُبرزه في أبْهَى هيئة مُمكنة، جاعلاً من التصميم قصيدة كثيفة المشاعر، أشبَه بتحفة أو عمل فني رائع يحبس الأنفاس.

من المؤكد أن حياة مصممنا الأيقوني الذي اشتهر ببدلته السوداء المتواضعة، ومَآدب الطعام الفاخرة التي كان يُقدمها للمشاهير في أوساط الموضة والفن، مليئة بالدروس الملهمة، ولعل أهمها أن يسعى المرء وراء تحقيق حلمه وبلوغ هدفه، وأن يطلق العنان لطموحه، وهو ما فعله عز الدين حين رأى أن تطلعاته تفوق مسقط رأسه، فقرر الرحيل إلى باريس في عام 1957، والتحق بالعمل في دار «كريستيان ديور» لمدة خمسة أيام فقط، حيث لفظته الدار في أعقاب اندلاع الحرب الجزائرية. وانتقل إلى دار Guy Laroche، ومنها إلى Thierry Mugler، حتى افتتح الأتِيليه الخاص به في أواخر السبعينات.

حاز لقب أفضل مصمم أزياء لعام 1984، وأعلى وسام شرف فرنسي في عام 2008. وقد استضافت صالة عرض Galleria Borghese في روما معرضاً لإبداعاته بعنوان Azzedine Alaïa Couture/‏Sculpture، وسط أعمال أشهر رسّامي عصر النهضة، أمثال Bernini وTitian وCaravaggio. وتكريماً له عقب وفاته، أقام متحف التصميم في بريطانيا معرضاً ضم 60 من أشهر فساتينه.

كيف غيّر عليّة وجه الموضة؟

• فهم تماماً الصورة التي يأتي عليها جسد المرأة، ولقّب بملك الأزياء المحبوكة على الجسم أو King of Cling، وكان يصمم الأزياء وفقاً لأبْعَاد الجسد، مُمْعناً في نحت القماش ببراعة لا تقل عن أشهر النحّاتين العالميّين.
• كان أول من رفض الالتزام بمواعيد مُحدّدة لطرح مجموعاته الموسمية من الأزياء.
• تصاميمه تَنْأى عن تغييرات الموضة وصيحاتها، وكان اقتناؤها يمثل استثماراً حقيقياً.
• على الرغم من أن ظهور مفهوم العارضات السوبر قد ارتبط بالمصمم Gianni Versace، فهو يعود في نشأته لعز الدين عليّة منذ منتصف الثمانينات، حيث حرصت العارضات أمثال Naomi Campbell وCindy Crawford وClaudia Schiffer وYasmin Le Bon، على عدم التغيّب عن عروض أزيائه.
• تأثر عالم الموضة بإبداعاته موسماً بعد آخر، وقد امتد هذا الأثر إلى عوالم أرْحَب، فعندما قالت Cher في فيلم Clueless للسارق الذي هاجمها وطلب منها أن تنبطح على الأرض بملابسها: «لكن هذا الفستان من تصميم عليّة»، لا شك يُدرك الجميع أن المصمم الأسطوري قد أصبح رمزاً ثقافياً.
• إرثه مُفعم بالبصمات المتميّزة التي جذبت نحوها أشهر نجمات السينما والسياسة على حد سواء، بداية من ليدي غاغا إلى ميشيل أوباما، مثل بدلة الجسم التي تأتي على هيئة قطعة واحدة، وإقباله على التفنن في توظيف الجلد، وطبعات جلد النمر، والصور الظلّية التي تبدأ ضيقة ثم تميل إلى الاتساع.
• استلهم الكثير من المصممين إبداعاتهم من عليّة، أمثال Nicolas Ghesquière المدير الإبداعي لدار Louis Vuitton، وكذلك المصمم الإيطالي Riccardo Tisci ودار Hervé Léger الفرنسية.