لا تعرف الفتاة الصغيرة التي تتزوج قسراً في بعض الدول النامية المسافة بين الدمى والألعاب والمدرسة، وبين بيت الزوجية. على الأرجح أنها لا تعرف ما هو الزواج، وما هي أركانه وشروطه. إنها مجرد طفلة تُؤخذ عنوة إلى رجل غريب، قد يكون في عمر أبيها، ولا خيار أمامها سوى تلقي الصدمة تلو الصدمة، بعد خداعها بفستان أبيض وحفلة زفاف.
الأرقام المعلنة صادمة، وكذلك التفاصيل التي غالباً ما يلفها السرية والكتمان في المجتمعات المحافظة، ولولا الاعتداءات المباشرة التي كشفتها المنظمات الدولية المتخصصة بالطفولة لما عرفنا أن فتيات يتزوجن في سنّ التاسعة والعاشرة، ويتطلقن قبل بلوغ السادسة عشرة، وبعضهن يُصبحن أمهات، في تجربة أشد قسوة من الزواج المبكر نفسه.
وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد توقع أن تشهد الدول النامية 14 مليون واقعة زواج لقاصرات بين عامي 2011 و2020، والأسوأ أن 50% منهن تحت سن الخامسة عشرة، وعلاوة على أسباب شائعة، مثل الحروب والفقر والكوارث الطبيعية، فإن الثقافة المليئة بالمغالطات والتقاليد المضللة تشجعان على زواج الأطفال، وتعتبرانه طبيعياً جداً.
ومع خسارة الطفولة كمرحلة للنضوج الذهني والجسدي والنفسي، تفقد الفتيات حقهنّ في التعليم، ويتعرضن إلى قسوة شديدة جراء الحمل والولادة. ولنتخيّل أن فتاة صغيرة باتت أمّاً، عليها العناية بطفل بكل ما تنطوي عليه هذه التجربة من معرفة ومسؤوليات، فأصيبت باكتئاب ما بعد الولادة، ولنتخيل أنها تزوجت من رجل متقدم في السن. لنتخيل هذه المتاهة، ونحن نعرف أن كل ذلك حقيقة فاجعة تستمر في دول كثيرة من العالم، وتسرد الضحايا قصصاً واقعية عن هذا الألم كل يوم.
وإلى كل هذه المعاناة التي تضرب عميقاً في طفولة الفتيات وإنسانيتهن، يجدن أنفسهن مطلقات غير متعلمات، والكثيرات منهن يتعرضن لمعضلات صحية بالغة السوء، فقد دخلن مرحلة صعبة وغامضة، دون استعداد نفسي وبدني، وما يعنيه ذلك من ارتباك في هرمونات النمو والتطورين المعرفي والعقلي.

ضوء
بعض التقاليد تحتاج إلى إعادة قراءة من منظورات العلم والثقافة العقلانية، خاصة إن كانت شديدة التأثير في حياة الإنسان، ولعل أولويات التنمية والحياة المعاصرة تلك التي تنهض بها الأمم المتطلعة لمستقبل أكثر ازدهاراً تتطلب دوماً إعادة التفكير بقلب محب في قيم الماضي والحاضر على حد السواء.