كثيراً ما نشيد بالصديق، بالصفات الحميدة التي يتمتع بها، وهي حق بكل تأكيد، ولكن الصديق على كل ما حبته المفاهيم الاجتماعية من طاقة إيجابية ومن خير دائم، إلا أن هناك صفة لا تكون إلا فيه، وعلى الرغم من أنها صفة سلبية تؤدي غالباً لفقدان الصداقة، إلا أنها حكرٌ على الصديق والقريب والجار، وكل من يتمتع بصفة القرب والأمان.
إنها صفة الغدر وكل المتقاربات من معناها، كالخيانة والطعن في الظهر، وكل ذلك لأن الغدر لا يأتي من البعيد، أو تحديداً لا يأتي من العدو، حيث إن العدو كل ما يقوم به هو العدوان، ومتوقع منه كل ما يسيء، فلا نتوقع من العدو الأمان ولا نرجو منه الثقة أو حفظ السر.
الغدر من الصفات السيئة جداً، وعادة لا ننسى الفعل الغادر، والذي عادة ما يكون من الصديق أو ممن وثقنا به، ولا تتأتى الثقة إلا في القريب أو الصديق أو الجار، ولا يمكن نسيان الغدر، لأن ضربته تكون موجعة ومن مسافة قريبة، فيكون الألم والصدمة والذهول.
والتاريخ مليء بقصص الغدر التي حفظتها الأوراق والذاكرة، ففي الحروب يكون الغدر كارثياً من الدول الصديقة، كما حدث في غزو الكويت على يد الجار، وما أعقبها من مواقف تشي بالغدر بكل ما فينا من قيم الأخوة والمحبة، كما حدث في الحرب العالمية الثانية.
وفي قصص الحب والإبداع تكاد كتب التاريخ تقطر دماً، وقد يصل الغدر إلى القتل وهذا أعظمه، كما حدث في مسرحية هاملت لشكسبير وهي من أشهر تلك القصص، والتي تحدثت عن غدر العم والزوجة بوالد هاملت، ولم تكن تلك آخر حالات الغدر في الأدب العالمي والعربي الزاخر، كما تم الغدر بالشاعر طرفة بن العبد، حين حمل كتاب عمر بن هند إلى المكعبر الذي طلب منه أن يقطع يد ورجل طرفة ويدفنه حياً ففعل، وعلى الرغم من علم طرفة بالغدر إلا أنه استبعد ذلك قائلاً لخاله المتلمس الذي اكتشف الغدر: ما كان ليفعل ذلك في عقر داري.
وإن كان التاريخ قد سجل لنا الكثير من تلك الأحداث، فإن واقعنا المعاصر لم تكن له هذه الميزة، حيث إن أحداث الغدر التي تتناولها الصحف والمجلات، حول غدر الأخ بأخيه، والزوجة بزوجها، والابن بوالديه، والصديق بالصديق، ربما تكون الميزة الأبرز للغدر هي أنه يكون من الضعيف على الأقوى، وهذا قد تجد له الغريزة البشرية ذريعة، كالحقد والحسد اللذين قد ينجبا الغدر.
وهناك حالات أخرى أشد مرارة، أن يغدر القوي باليتيم فيسرق ماله، أو يسلبه حقه بعد أن ائتمنه عليه ووثق به، فتكون طعنته أقوى من أن يحتملها قلب يتيم أوصى به الله من السماء السابعة {فأما اليتيم فلا تقهر}.
شعر
كانت الأنجمُ من حشدِ جيوشِ الغيم بترامي الناسِ للدُّنيا
تبدو مطفأة وإذْ أذكرُ قدْ شبَّ حريقْ
طردَ البردَ من البيتِ مرةً خلفَ جدارِ البيتِ
لهيبُ المدفأة إذْ يَربضُ دكانٌ عتيقْ
سِعَةُ العيشِ التي كانت بنا شبَّ في وقتِ الصلاة
راحتْ تضيقْ إنَّ طبعَ النارِ أنْ تطعنَ غدراً كالصديقْ