ابنة المواويل وغابات النخل والماء وخرير دجلة والفرات وجزالة الشعر، لم يكن غريباً أبداً أن تصبح واحدة من أهم الأصوات الشعرية العربية في العقود الأخيرة، بل إنها عدّت ضمن رواد شعر التفعيلة الكبار. نعم، هي نازك الملائكة، التي ولدت ببغداد في 1923 لأب مدرس وشاعر، غرس فيها باكراً جداً عشق اللغة والغوص في دلالاتها ورموزها وجمالياتها، ما مكنها تالياً من الانخراط في التيار الحديث الذي كان ينتقل من الكلاسيكية إلى مدرسة الشعر الحر.
تخرجت نازك، التي صدف أن أمها أيضاً كانت شاعرة، في جامعة بغداد، ثم انتقلت إلى الولايات المتحدة لنيل درجة الماجستير في الأدب المقارن.
كتبت نازك أول أشعارها وهي بعد في طور الطفولة، لكن ذلك العقل الوقاد والروح الطامحة كانا أكبر من العمر الغض. نشرت أول ديوان لها «عشاق الليل» في 1947. وهي قد أمضت وقتاً في تعلم العزف على العود، ربما رغبة منها في فهم أسرار الموسيقى، فالشعر في جانب منه، هو موسيقى أيضاً.
لكن حراس معبد الشعر التقليدي كانوا لها بالمرصاد، خاصة أنها خرجت عن النمط الذي كانت تتبعه الشاعرات في التعبير عن مكنوناتهن وتجاربهن، مائلة إلى تعابير جديدة. وهي تقول عن ذلك: «خلال ساعة واحدة انتهيت من كتابة القصيدة وركضت مسرعة إلى بيت أختي إحسان، قلت لها لقد كتبت شعراً مختلفاً من حيث الشكل، وسيسبب جدلاً كبيراً».
وهذا ما حدث بالفعل، ولسنوات طويلة ظلت نازك محل نقد مكثف، إيجاباً وسلباً، لكن المدرسة التي اختارتها أضحت علامة فارقة في الأدب العربي، ومشى على خطاها، هي ورواد الشعر الحر، آلاف الشعراء والشاعرات.
لكن نازك، آنذاك، لم تكن لتأبه بكل ما يحيط بها من عوائق ونقد. تقول: «قل ما شئت أن تقول، إنني واثقة بأن شعري سوف يغير خارطة الشعر العربي».
وغير ذلك، لم تبرز نازك في وقت انحسر فيه وهج الشعر في بلادها، إنما في عصر ظهر فيه الشاعر الكبير، بدر شاكر السياب، الذي انحاز هو الآخر لشعر التفعيلة، ما فجّر جدلاً، أيهما أسبق إلى شعر التفعيلة، نازك أم السياب؟
بعض النقاد يرون أن إسهام نازك منح الحداثة في المنطقة العربية بعداً أنثوياً مهماً، كما هو الحال بالنسبة إلى اللغة الشاعرية التي تنز أنوثة، وترسم فضاءات جديدة لإبداع المرأة العربية.
نازك نشطت أيضاً في قضايا المرأة، داعية إلى تحريرها من السلبية، ورافضة مفهوم الوصاية. 1961
رحلت نازك الملائكة عام 2007 بعد أن شاركت في حفر مجرى جديد للشعر العربي، ومخلفة تجربة عريضة في الأدب والكتابة.