يحار كثيرون في موقعها على الخارطة العالمية، فلا هي في أفريقيا ولا في أوروبا، بل في نقطة بين بين، مزينة باسْم الجمهورية المتمددة على أرخبيل مدهش، من سبع جزر عابقة بسحر الطبيعة وعبق التاريخ: جمهورية مالطا
نعرف أن الجزر تكون معزولة عن محيطها، في منأى عن سواها، لكن حين تُشكّل بقعة فاصلة بين قارتين، أوروبا وأفريقيا، تكون قد أخذت من الجانبين، مكونة إطاراً لا يشبه سواه. هذه حال جمهورية مالطا، المتأثرة بالسمات العربية أيضاً، والتي جذبت في الآونة الأخيرة حشرية الكثيرين.
من أصغر دول العالم
مالطا الأوروبية الواقعة في البحر الأبيض المتوسط، صغيرة المساحة. إنها واحدة من أصغر دول العالم. وأسبوع واحد في حناياها يكفي لاكتشاف تفاصيلها. عاصمتها فاليتا. واستعمرها البريطانيون. ولولا شمسها المشرقة 300 يوم في السنة لشعرتم وأنتم تسرحون في حناياها، أنكم في لندن لا في فاليتا. أسرارها كثيرة، فلنكتشفها معاً قبل أن تنتهي سنة 2018 التي سمّيت فيها مالطا «عاصمة الثقافة الأوروبية». تنقسم آراء الزائرين حولها، بين من يغرم بها ومن يصنفها بالباردة والمملة. لكن، وكما تعلمون، الحقيقة هي ما يثبت أمام امتحان التجربة. فاكتشفوا بأنفسكم ما انقسم الكثيرون حوله.
تتكون جمهورية مالطا من سبع جزر، ثلاث منها مأهولة، هي: مالطا، الجزيرة الأكبر وعاصمتها فاليتا، كومينو، وهي أصغر جزيرة، وأكثر من سيستمتع فيها هم محبو ممارسة رياضة الغوص، وجوزو التي تبعد نحو ثلاثين دقيقة عن العاصمة المالطية والواقعة واقعياً، بالكامل، في القارة الأفريقية، لكنها تنتمي إدارياً إلى القارة الأوروبية.
السلام الداخلي
ثمة تفاصيل يفترض أن تعرفوها قبل الانطلاق إلى هناك. المالطيون بطيئون، بإجماع كل من تعرفوا إلى «مالطيين». وهم لا يعيشون التوترات التي يعيشها سكان الدول الصناعية والمتطورة، لذا نراهم يتناولون الطعام على مهل، يقومون بأعمالهم على مهل، ولا يبالون كثيراً بالساعة لاستلحاق موعد أو لقاء أو اجتماع. المالطيون لا يتكلمون كثيراً على «الرسائل الإلكترونية» لإنجاز أعمالهم، بل يفضلون الانتقال من جزيرة إلى جزيرة للاتفاق وجهاً لوجه على أمر بسيط جداً. هؤلاء هم، والسياحة اكتشاف واستكشاف.
معالم العاصمة المالطية فاليتا جميلة، وهي تضم تفاصيل كثيرة تستحق المشاهدة عن قرب. ويقال إن من بنَوها هم فرسان القديس يوحنا في القرن السادس عشر. امشوا أو اركبوا دراجة هوائية وأنتم تجولون في أرجائها؛ لأن في كل زاوية وعند كل مفرق وطريق معلماً يستحق أن تتمعنوا فيه. اعبروا في شارع المسرح القديم وادخلوا إلى «مسرح مانويل»، هو جوهرة معمارية. انظروا جيداً إلى التفاصيل، انظروا إلى السقف والثريات والأبواب والبلاط، وخذوا صوراً كثيرة. خذوا «سيلفي» لكم مع كل التفاصيل العمرانية المذهلة التي ستصادفونها.
أطول شارع وأطول برج
أحد أطول شوارع العاصمة هو «شارع التجار»، وتجدون فيه شيئاً من كل شيء، مبانٍ تاريخية، معابد، مقاهٍ، متاجر وحرم جامعي كبير. قلعة «إلمو» حصن تاريخي مميز ستصادفونه حتماً، وأنتم تسرحون في العاصمة. هنا، في هذه النقطة بالذات، هُزم الجيش العثماني. بصمات التاريخ في كل مكان، والعمارات ذات النسق الهندسي الباروكي شاهدة على زمان مضى.
أطول مبنى تجدونه هناك هو «بورتوماسو بيزنس تاور»، اقصدوه. ولا تنسوا هذه الأسماء وأنتم تسرحون في تفاصيل الدولة: «مدينا»، «بيرجو» أو المدينة الصامتة و«سراديب الموت» في سانت بول، حيث كان يهرع المالطيون هرباً من الغازات الجوية السامة التي كانت ترمى عليهم خلال الحرب العالمية الثانية.
تاريخ أكثر
لمن يريد التعرف أكثر إلى تاريخ مالطا، هناك في تفاصيل جزيرة «جوزو» التي لم تطلها الحداثة كثيراً، ستكتشفون مالطا قبل ثلاثين عاماً. طرقاتها ستذكركم حتماً بالطرق في أوروبا الشرقية. هي في الشكل جيدة لكنها ضيقة، والتحدي الأكبر أن تجدوا فيها موقفاً تركنون فيه مركبتكم. السائقون مهذبون جداً وصبورون، وهذا لافت هناك، لكن أسماء الشوارع غير واضحة. اسألوا المواطنين إذا اضطررتم للسؤال وهم سيجيبون بلطف فائق، المالطيون لطفاء. وتذكروا هنا أن مالطا، اختيرت في دراسة عالمية، واحدة بين أفضل 20 موقعاً في العالم للتفكير جدياً في التقاعد فيها. الطقس جميل، 300 يوم مشمس. أما من يحبون مشهد رذاذ المطر وبرودته فليقصدوا الأرخبيل المالطي بين نوفمبر ومايو.
ثقافة المعدة
(تحدث مع الشخص الجميل، وتناول من كل شيء)، إنها نصيحتنا لكم. ثمة أطباق كثيرة لذيذة محضرة محلياً. تذوقوا «الرافيولي» المحشوة بجبن الماعز. العجين المخمر لا يقاوَم هناك. تذوقوا «كابوتانا»، وهو طبق شهير هناك مصنوع من الطماطم الطازجة والباذنجان والفلفل الأخضر. تذوقوا «باستيزي»، إنه طبق شعبي جداً يتكون من معجنات مخبوزة محشوة بجبن الريكوتا والبازلاء، لا تغادروا من دون أن تتناولوه. وجبن ريكوتا أحد منتجات الأجبان المصنوعة من مصل حليب الأغنام. وتناولوا «الكاساتا»، وهي حلوى مشهورة في صقلية ولها نكهة خاصة في مالطا، وهي تحتوي على فاكهة مجففة مع معجون اللوز اللذيذ. اكتشفوا خلال سياحتكم هناك جانباً من ثقافة البلاد من خلال المعدة. ولا تنسوا تناول الكمثري أو الصبير الذي ينمو بكثرة في أرجاء الجزر المالطية.
قبل أن تغادروا إلى مالطا، شاهدوا بعض الأفلام التي صُورت هناك، والتي ستساعدكم على فهم طبيعة المكان أكثر، والتي تُظهر بوضوح الهندسة المعمارية الرائعة هناك والمياه الزرقاء الصافية الرائعة المحيطة. وتذكروا أنه صُوّر هناك منذ عام 1925 حتى اليوم أكثر من 150 فيلماً في تفاصيل الأرخبيل. يبقى أن الشعور يكون في التجربة الشخصية. اقصدوا مالطا وكوّنوا تجربة لا تنتسى.
تذكارات مالطية
صحيح أن مالطا تستورد أشياء كثيرة من خارجها، لكن قد تحبون الاحتفاظ بتذكارات تقليدية محددة مصنوعة فيها، بينها: الأزهار المعقودة التي تُستخدم في صناعتها الأسلاك الدقيقة. مزهريات «مدينا» مشهورة جداً هناك منذ عام 1968، يوم أنشئ أول مصنع للزجاج هناك. ويمكنكم الحصول على مجسم «السيدة النائمة» الذي يرمز إلى الأرخبيل المالطي. الدانتيل جميل هناك،
احصلوا على قطع منه تزينوا
بها بيوتكم.