باللون الأحمر القاني، أطلت اللبنانية جويس عزام لتُعلن استعدادها لتسلق القمة السادسة، في سادس قارة في العالم، في «جبل فينسون» في القارة القطبية الجنوبية (قارة أنترتيكا)، وتبقى أمامها قمة سابعة «إيفرست» لتُتوج أول امرأة لبنانية تتسلق قمم العالم السبع. «زهرة الخليج» التقت جويس للحديث عن تحديها الفريد، ونسألها:
• تتحدثين عن تسلقك الجبال، منذ 12 عاماً، كما السلحفاة جبلاً بعد جبل. تُرى ألا تتعب السلحفاة؟
عدد قارات العالم سبع، ومنذ أخذت قرار تحدي القمم وبلوغها لم أسمح لنفسي بالاستسلام للتعب والوهن. تسلقت «جبل دينالي» في ألاسكا و«جبل أكونكاجوا» في الأرجنتين و«جبل كليمنجارو» في القارة الأفريقية وكرّت السبحة. والتحدي الجديد على قمة «جبل فينسون»، حيث (بدأت) رحلتي في 23 نوفمبر وتستغرق 20 يوماً.
أتحدى نفسي
• يترافق اسمك دائماً مع العزم والتحدي. ما مفهومك للتحدي؟
طالما وثقت بحياتي أن الإنسان لا يصل إلى أي مكان إذا لم يتحدَّ ذاته أولاً، في أي مجال كان، لذا قررت منذ البداية أن أتحدى نفسي. فهذه أنا. وهذا طبعٌ في جيناتي ميزني منذ صغري. واستخدمت شغفي في الطبيعة وتسلق الجبال في تحقيق إنجاز لوطني لبنان.
• ما أوّل جبل تسلقته؟
القرنة السوداء في لبنان. ويومها لم يكن لديّ أي إلمام بالجبال والطبيعة. مشيت كثيراً. تعثرت مراراً وحين وصلت إلى القمة غمرني فرح هائل.
• هل ما زلت تتعثرين اليوم؟
(تبتسم) طبيعي أن نتعثر ثم نقف. لكنني لم أعد أخشى من التعثر وبتّ أتدرب يومياً في القرنة السوداء. انتقلت للعيش في الأرز كي أكون قريبة من القرنة السوداء، حيث أنطلق يومياً من ارتفاع 1850 متراً إلى قمة ارتفاعها 3088 متراً. ويمكنني أن أعلن أنني تحضرت جيداً لجبلي «فينسون» و«إيفرست».
• الابتسامة لا تفارق وجهك، فهل هذا تأثير أدرينالين رياضة التسلق والتحدي وبلوغ الأهداف الكبرى؟
هذا صحيح، أبتسم دائماً، لكني أعترف بأن لا سعادة مطلقة دائمة غير أن الصعود إلى قمة جبل شاهق والاقتراب من الطبيعة يزيد من منسوب السعادة ويُبعدنا عن القلق والتوترات اليومية.
أشعر بالفخر
• هل ما زال الشعور نفسه يختلج في داخلك كلما نجحت في تحدي قمة جديدة من قمم العالم؟ وماذا عن مشاعر الوقوف عند أقدام الجبل والنظر إلى القمة؟
المشاعر تتغيّر، تتبدل، والرحلات التي أقوم بها تكون غالباً طويلة وأعيش في بعضها بين عشرين وثلاثين يوماً على الجبل، وفي «إيفرست» سأحتاج إلى شهرين على الأقل، لهذا نادراً ما أبالي وأنا في أسفل الجبل في التفكير بقمته، كي لا أخاف وأقلق وأفكر في صعوبة المهمة، بل أركز أكثر على خطواتي الآنية، كل لحظة بلحظتِها وكل يوم بيومِه، أما الرؤية الكاملة فأستعدّ لها قبيل أسابيع من لحظة البداية، تماماً كما يستعدّ الطالب لامتحان آتٍ. أقسّم الأشياء عادة إلى أجزاء والرحلة إلى محطات والصعاب إلى مطبات ممكنة، مرجحة، وصولاً إلى تحقيق الصورة الكاملة. أما بالنسبة إلى مشاعري حين أبلغ القمة فهي تتدفق قوية، لكن الأهم منها الشعور العارم بالفخر الذي يلازمني بأنني نجحت في رفع علم بلادي عالياً.
• في أيّ عمرٍ يفترض أن يبدأ من يهوى تسلق الجبال تدريباته؟
لا عمر للتفاعل مع الطبيعة والجبال، ويجب أن نذهب بأطفالنا إلى الطبيعة من عمر أربع أو خمس سنوات ونتركهم يتعرفون إليها على أن يبدؤوا لاحقاً، إذا أحبوا، التعامل معها باحتراف وتعلم تقنيات التسلق. ويهم أن يعرف الجميع أن لا أحد يتعلم نظرياً تسلق الجبال، بل يحتاج أن يتسلق ويتعثر ويُخطئ ويُصيب كي يتعلم.
• هل هناك من يقول لك: لا تتسلقي؟
أمي تخاف عليّ كثيراً وهذا طبيعيّ لأن «الدنيا أم»، لكني أحاول قبل أن أنطلق في رحلاتي الكبرى ألا أصغي كثيراً إلى نصائحها، لأنها تظل تردد في أذني: تراجعي. لا تذهبي.
لم أستسلم يوماً
• حدثينا عن المصاعب التي تواجهينها عادة في رحلاتك؟
حين أبدأ في التسلق أنقطع عن العالم، وقد يمضي 20 يوماً وأكثر من دون استحمام. تسلق الجبال ليس بالأمر السهل فكيف بالجبال والقمم العالمية؟ وأحتاج دائماً إلى تركيز قوي وإلى تضافر الجسم والعقل والرأس والإرادة كي أتابع. يحتاج المتسلق إلى الاتكال على ذاته وأن يكون قد خطط رحلته من الألف إلى الياء. فالخطأ ممنوع. ورحلتي الجديدة إلى قمة «جبل فينسون» لن تكون سهلة أبداً. ادعوا لي أن أعود منها سالمة معافاة في 13 ديسمبر. الجبل جليدي بارد جداً وتطلق عليه تسمية «الصحراء البيضاء» وتصل درجة الحرارة فيه إلى 90 درجة تحت الصفر. أحياناً أتشاجر مع الجبال وأهمس لها وأنا أتسلق قممها: لماذا تعذبيني إلى هذه الدرجة. أتألم أحياناً. أبكي أحياناً. لكنني لم أستسلم يوماً.
فتى الأحلام
جويس عزام، في بدايات العقد الثالث من عمرها، غير متزوجة. كثيرون نصحوها بأن تترك تسلق الجبال وتستقرّ مع فتى أحلام تنتقل معه على حصان أبيض، لكنها كانت تبتسم لهم دائماً مرددة: سأثابر في شغفي. حائزة على درجة الدكتوراه في الهندسة. تسلقت حتى الآن خمس قمم من سبع.
رسالتها تغيير الصورة النمطية للمرأة اللبنانية القادرة على تسلق القمم في كل مفاصل الحياة. وإبعاد الشباب عن الإدمان والعنف والاكتئاب والدفاع عن حقوق الأطفال.
غذاء من أجل التسلق
تقول متسلقة الجبال اللبنانية جويس عزام عن الطعام الذي تأخذه معها في رحلاتها: «أركز على الكربوهيدرات وآخذ معي الأرز والباستا والحبوب المجففة وأنقعها في الثلج والجليد وأتناولها. أعترف بأن الأمر ليس سهلاً أبداً وأن الكثيرين يقولون لي: وماذا ستحققين إذا تسلقت القمم السبع؟ أجيبهم: أريد أن أكون أول امرأة لبنانية تنضم إلى 40 امرأة في العالم تسلقن القمم السبع، وأريد أن أتابع وأصل إلى القطبين الشمالي والجنوبي، كي أكون ثاني امرأة في العالم تفعل هذا بعد امرأة نرويجية. وأجيب هؤلاء أيضاً: هل تسألون عازف البيانو لماذا يعزف؟ أحب التسلق والمغامرة، وعشقي هذا أخذني إلى أماكن لم أكن أحلم بها من قبل. والجبال علمتني كيف أتخطى خوفي من العلو لأصل إلى هدفي. وأحب أن أذكر هنا أن امرأة سعودية نجحت في تسلق القمم السبع، هي من ألهمتني».