سألتني إحداهن عن الغيرة، أهي نعمة الحبّ أم نقمته؟ وكيف عليها أن تتعايش مع خطيب غيور، تشقى به بقدر عشقها له، وتثق بحبه لها.. لكنها لم تعرف الطمأنينة معه.
أجبتها: «باختصار.. جربي يا عزيزتي كل الحلول، وإن لم تعثري لغيرته المجنونة على حل، اتركي الجمل بما حمل، وانجي بنفسك، فلن تسعدي معه مهما حاولت، فالغيرة كالملح، قليلها ضروري لنكهة الحب، وكثيرها يمنعك من تناول أي طبقٍ مهما كان شهياً».??
علينا ألا ننخدع بالغيرة، ونحسبها من الخصال العاطفية الجميلة، مُصرين عليها كشرط عشقي، نقيس به درجات الولع التي بلغها الحبيب.
أثناء انبهارنا بالغيرة ومباهاتنا بها، لا ننتبه أنها منهمكة في تشويهنا. ذلك أن الغيرة إن تجاوزت حدها كوقود جميل وطبيعي للحب، غدت ناراً تلتهمنا، لأسباب لا علاقة لها بالحب، وغدت مؤشراً واضحاً لبداية النهاية.
??بعض العشاق يذهبون نحو نار الغيرة بحماقة الفراشات، فتتركهم رماداً بعد أن يكونوا قد اقترفوا ما يتجاوز الحماقات، إلى الجرائم العاطفية التي تأتينا بها الأخبار كل يوم.
??أتباع شمشون لا يغادرون الحب إلا وقد ألحقوا من الأضرار بأنفسهم بقدر ما ألحقوه بـ«الحبيب - العدو» من دمار. شعارهم قول شمشون «عليّ وعلى أعدائي».
مثله، سيهدون معبد الحب على من فيه، كي لا يمنحوا الآخر حق العيش سعيداً مع غيرهم.??ذلك أنه من الأسهل علينا تقبل موت من نحب، على تقبل فكرة فقدانه، واكتشاف أن في إمكانه مواصلة الحياة بكل تفاصيلها مع غيرنا، ففي الموت تساوياً في الفقدان نجد فيه عزاءنا.??لنعترف بأنّ الغيرة تتمتع بسيط عشقي كاذب.
في الواقع، الغيرة عاطفة أنانية، وفيها من الحب لأنفسنا أكثر مما فيها من حبنا للآخر، و إلا كيف نفسر أن يكون عمر الغيرة أطول من عمر الحب؟ وأن تلازمنا الغيرة وتعيش فينا حتى بعد موت الحب بزمن طويل.
فلا نتقبل فكرة دخول شخص جديد إلى حياة من انفصلنا عنه، برغم أننا ما عدنا نحبه!?ألمُ الفراق ينتج عن غريزة التملك، أكثر منه من مشاعر الحب، نحن في الواقع نشقى بفقدان ما اعتدناه وتوهمنا امتلاكه إلى الأبد.
لذا يتجاوز ألمنا عند انفصالنا عمن نحب، ألمنا لو أنه مات.?إن حدادنا عليه حياً يفوق حدادنا عليه ميتاً، فموته برغم فجيعتنا، يطمئننا أنه لن يكون لغيرنا، فهو يبدو لنا في رحيله الأبدي ضحية القدر، فنشفق عليه، ونبكيه.
أما في بقائه حياً مع سوانا تذكير بخسارتنا، واغتيال معلن لنا. وإذا بنا نحن ضحيته، التي تستحق الشفقة والبكاء.?المرأة نفسها القادرة على الوفاء بقية عمرها، لحبيب أخذه منها الموت. جاهزة لقتله إن استطاعت، لو أن امرأة أخرى أخذته منها!?إنه دليل دامغ على أن غريزة التملك، هي التي توجه مشاعرنا في كل علاقة!?