أظهرت دراسة طبية بريطانية حديثة أن الملايين حول العالم يلجؤون إلى تشخيص أمراضهم عبر الإنترنت بدلاً من زيارة الطبيب، إذ يعتمدون على محرك «جوجل» في البحث عن علاجات.
وتقول مديرة التوعية العامة في «مركز ستاندرد للمعلومات» آن روبينسون، إن الإنترنت مليء بالمعلومات الصحية الخاطئة، التي قد تُودي بحياة البعض وتعرضهم للخطر، وتؤكد أنه على الرغم من أهمية تنمية المعلومات الطبية، لكن ذلك لا يعني قدرة المريض على تشخيص مرضه ووصف دواء لنفسه من دون استشارة طبية حقيقية.
في استقصاء للمركز ذاته، كانت النتيجة أن أربعة من كل 10 أشخاص في بريطانيا، يتجنبون زيارة الطبيب، وأقر نصفهم بأنهم يلجؤون إلى التشخيص عبر المواقع الصحية على الإنترنت.
لكن المثير للقلق أن هذه الظاهرة منتشرة بصورة كبيرة في عالمنا العربي، خاصة في ظل وجود الكم الكبير من الأخبار الصحية المفبركة التي يتم تداولها على شبكة الإنترنت، والتي تؤثر سلباً في صحة الناس وتهدد حياتهم بالخطر، والتي يلجأ إليها الناس لأسباب اقتصادية من جهة، ومن جهة أخرى تصديقاً للمثل الشعبي (اسأل مجرّب ولا تسأل طبيب).
«زهرة الخليج» سألت متخصصين في الشأن الطبي، حول القضية.
أوهام إنقاص الوزن
يؤكد أخصائي التغذية الدكتور يوسف صوّان أن أكثر ما يبحث عنه الأشخاص من المعلومات الطبية عبر شبكة الإنترنت، تلك المتعلقة بالوزن والجسم المثالي، نتيجة انشغال العالم بمقاييس الشكل، والتركيز على أهميته ليحصل المرء على القبول المجتمعي، بعيداً عن التركيز على الأهمية الصحية للوزن المناسب لعمر الشخص وطوله ونشاطه اليومي.
ويضيف: «يَخفى عن هؤلاء أن عليهم التحقق من المرجعية الطبية لأي موقع، قبل اعتماده مصدراً موثوقاً للمعلومات الطبية، مع التشديد على أن مواقع الإنترنت لا يمكن أن تُغني عن زيارة الطبيب المتخصص، وقد مر عليّ كثيرون ممن حاولوا اتّباع حميات عشوائية من مواقع مختلفة، يعانون فقراً في الدم، أو اضطرابات غذائية كـ«البوليميا» و«الأنوركسيا»، وخللاً في هرمونات الجسم ونظام الأيض وغيرها، خاصة أولئك الذين يتناولون عقاقير طبية لهذا الهدف».
أركان التشخيص الطبي
تُشخّص الحالات المرضية، كما يقول استشاري الأمراض النسائية والعقم الدكتور محمود الطاهر، عن طريق أركان ثلاثة، هي التاريخ المرضي، الفحص السريري والمختبر والتحاليل.
ويضيف: «أذكر حالة مريضة أرادت الحصول على مانع حمل، لكنها فضلت البحث في صفحات المنتديات ومواقع الإنترنت، التي شخّصت لها نوعاً محدداً من الحبوب مزدوج الهرمون، ومن دون استشارة طبية تناولت ذلك العقار فسبّب لها تجلطاً في الرجلين، وكانت قاب قوسين أو أدنى من حدوث تجلطات في القلب أو أورام، وحين جاءت إليَّ تبيّن من خلال الاطّلاع على تاريخها المرضي والفحص أنها تعاني أمراضاً في القلب ولديها كتلة في صدرها، وذلك الهرمون يؤثر بشكل كبير في الشرايين».
مصدر للوقاية
تشير أخصائية الاستشارات الغذائية والرياضية، سحر القسوس، إلى أن أسهل وسيلة عند معظم الناس لقتل التوتر والقلق الناتجين عن وهم المرض، اللجوء إلى الإنترنت من أجل الكشف وطلب الاستشارة، فحُب الحياة الشديد والرغبة في العيش بصحة جيدة يجعلان المريض في حالة غير متزنة، ويدفعانه إلى البحث عن أي معلومة تتعلق بمرضه.
وتقول القسوس: «قد يكون البحث في الإنترنت عن بعض الحالات إيجابياً، لتدارك الحالة المرضية في بدايتها، والحماية الذاتية للشخص نفسه، والإسهام في زيادة الوعي الصحي، وسرعة اتخاذ القرار بالذهاب إلى المتخصص في الحالات التي تستدعي عدم التهاون».
الوسواس المرضي
تؤكد القسوس أن استخدام المعلومات الصحية والاستشارات الغذائية وحتى الرياضية في المواقع المختلفة أنتج نوعاً حديثاً من أنواع وسواس المرض يُعرف بـ«سايبركوندريا»، أي توهم المرض بسبب معلومات الإنترنت، وتوضح: «يُعد هذا مصدراً خطيراً للمصابين بوسواس المرض، حيث إن توافر المعلومات بغزارة يمكن أن يمثل مشكلة للمصاب بالمرض، لأنه يعزز المخاوف التي تنتابه.
وعلى الرغم من أن الكثير من الناس يتصفحون الإنترنت لتهدئة مخاوفهم الصحية، إلا أن العكس يحدث في أغلب الأحيان.
فسرعان ما قد يغير البحث على الإنترنت مفاهيم الشخص حول عرض شائع، كالصداع الناتج عن الإرهاق أو الجفاف، ليعتقد أنه ورم في الدماغ، وهنا يبدأ الوسواس الذي يُرهق المريض ومن حوله».
تجاهل المعلومات
يوضح الناطق الإعلامي في وزارة الصحة الأردنية، عيسى السلمان، أن ملايين البشر يتداولون المعلومات الصحية على شبكات «التواصل الاجتماعي» لحظيّاً، مما يشكل خطورة كبيرة على الأشخاص الذين يسارعون إلى تطبيق محتواها، من دون الرجوع إلى الجهات الصحية الرسمية أو إلى الطبيب المعالج، فالكثير من هذه المعلومات يتعلق بالأمراض الصحية الخطيرة، كأمراض القلب، السرطان، السكري والفشل الكلوي، وتكون في الأغلب مُضللة، ويتم مشاركتها على نطاق واسع بسبب طبيعتها المثيرة والحماسية.
يختتم عيسى السلمان كلامه بالقول: «للأسف، معظم الناس يستسهلون تطبيق مثل هذه العلاجات، من دون الرجوع إلى المعلومات الطبية الرسمية التي يتم تجاهلها، غير عابئين بخطورة تناول بعض الأدوية، فهذه الوصفات لا تغني عن زيارة الطبيب».