تُحذّر إدارة الصحة العامة في كاليفورنيا من «أضرار خطيرة»، تنتج عن نوم الأشخاص بالقرب من هواتفهم المحمولة، أو أولئك الذين يصطحبون هواتفهم في كل مكان، حتى في سريرهم أو حتى عند دخولهم المرحاض. وبحسب الإدارة ذاتها، تُصدر الهواتف المحمولة إشارات راديويّة لاسلكية (RF)، عندما ترسل وتستقبل المعلومات من الأبراج الخلوية المحيطة، وهي ترددات خطرة. وأكد باحثون من «جامعة كوريا» في سيول، أن الذين أدمنوا هواتفهم الذكية وشبكة الإنترنت، حصلوا على درجات أعلى في رصد مظاهر الاكتئاب، التوتر، شدة الأرق، وردود أفعالهم المندفعة. ناهيك عن سلبيات تأثير إدمانهم في أنشطتهم اليومية، بدءاً من الحياة الاجتماعية وصولاً إلى أنماط نومهم.

وأجمع الأطباء على اعتبار إدمان الهواتف الذكية نوعاً من أنواع الاضطرابات النفسية، وأطلقوا عليه مصطلح «نوموفوبيا» ‏nomophobia‏. فإذا كنت من الذين يصعب عليهم الانفصال عن هواتفهم الذكية، أو من الأشخاص الذين يلجؤون إليها من دون سبب معيّن، فإنك قد تكون مهدداً بحالة الإدمان هذه، والتي قد تستدعي مساعدة طبيب نفسي. «زهرة الخليج» بحثت عن علامات هذا الإدمان، ومدى تأثيره في الناحيتين الصحية والنفسية، وسبُل التخلص منه.

المصاب لا يدرك اضطرابه

تُعرف حالة الـ«نوموفوبيا» Nomophobia، بأنها حالة من الخوف أو القلق تصيب الشخص، حينما لا يكون هاتفه المحمول قريباً منه وتحت عينيه، وهي الحالة التي اعتبرتها صحيفة الـ«ديلي ميل» البريطانية، في دراسة نشرتها «أكبر فوبيا في العالم»، وعنها تقول الاستشارية النفسية والأسرية، الدكتورة نسرين خوري: «ظهر هذا المصطلح عام 2008، وكانت نسبة من يقع تحت تأثير هذه الفوبيا 53%، بينما الدراسات الحالية تشير إلى أن النتيجة وصلت إلى نسبة 66%، كما وجدت دراسة أخرى لباحثين من «جامعة ماريلاند»، أن نسبة 74% من الناس مصابون بها». وتوضح خوري: «يصاب هؤلاء الأشخاص بالتشوش الذهني والاضطراب الواضح، عندما تنقطع التقنيات الحديثة عنهم، ومعظمهم لا يُدركون إصابتهم بهذا الاضطراب النفسي، حيث إن هذا الفقدان يعني لهم عدم القدرة على التواصل مع الأصدقاء والانقطاع عن كل ما يحدث حولهم، بعد أن اعتادوا حمل الهواتف في كل مكان يذهبون إليه، في غرفة النوم، العمل، أثناء سيرهم، المصعد، وحتى أثناء دخولهم دورة الماء. بالتالي، فإن فقدانهم الهاتف يعني فقدانهم الشيء الذي يقضون معه أكبر وقت من حياتهم، ومن خلاله يتواصل مع العالم».

البحث عن واقع بديل

يقول المدرب والمحاضر ومستشار الإعلام المجتمعي، حسن الحلبي، إن مُدمني استخدام شبكات وبرامج «التواصل الاجتماعي» يجدون فيها «واقعاً بديلاً»، حيث إن الشخص يلجأ إلى إيجاد بديل عن واقعه المعيش، الذي لا يطيب له في معظم الأحيان ولا يجسّد أمانيه، وكل ما يحتاج إليه لتغيير واقعه، خلق حساب شخصي في موقع اجتماعي، فيجد بذلك عالماً جديداً خاصاً به. هذا إضافةً إلى أنه يعمد من خلال ذلك إلى إعادة رسم صورته بالطريقة التي يريدها، وتكون بطبيعة الحال مُغايرة لصورته الحقيقية غير المرضية بالنسبة إليه. ويعتبر الحلبي، أن الشخصية الوهمية الجديدة التي تتجسد لـ«مُدمن هاتفه»، مع توافُر كمّ كبير من الأصدقاء من أنحاء العالم كافة، تجعل الشخص غير قادر على الهروب من العالم الافتراضي الذي يهتم كثيراً بشخصه.

الانعزال والتراجع العملي

إدمان الهواتف المحمولة له علامات كثيرة وواضحة، كما يقول رئيس قسم علم الاجتماع في «جامعة مؤتة»، الدكتور حسين محادين، من أبرزها: «الشعور بالقلق والانزعاج الشديدين عند نسيان الهاتف، أو الافتراق عنه، أو الاضطرار إلى إغلاقه، والنظر إلى الهاتف بين حين وآخر، وتفقّده بشكل دائم، حتى من دون وجود حاجة إلى إجراء مكالمة أو إرسال رسالة». وقد سجل الباحثون أرقاماً تقول: «إن مُدمني الهواتف الذكية يقومون بتفقّد هواتفهم أكثر من 300 مرة في اليوم». ويؤدي ذلك تبعاً لمحايدين، إلى «الانعزال عن الأهل والأصدقاء، والفشل، وتراجُع الفعالية في العمل والدراسة، والشعور بالسعادة عند استخدام الهاتف المحمول أو حتى مجرّد النظر إليه، وكأنه الصديق الصدوق الوحيد للشخص».

مرض «عنق المحمول»

يشير رئيس (جمعية الأطباء الأردنيين لهشاشة العظام، والرئيس المؤسس للجمعية الأردنية لمصابي الحبل الشوكي، وعضو الجمعية العالمية لترميم الأعصاب)، الدكتور علي العتوم، إلى أن «هناك تزايداً في عدد المرضى الذي يعانون آلام الرقبة، وأعلى الظهر التي ترتبط باتخاذ وضع سيئ للجسم أثناء استخدام الهواتف المحمولة فترات طويلة، وهو ما يسمّى علمياً مرض «عنق الهاتف المحمول»، كما أن صغار السن الذين لم يكن من المعتاد أن يصابوا بآلام الظهر، يتعرضون للانزلاق الغضروفي ولمشكلات تتعلق باستقامة الجسم، فعادةً يكون العنق مقوّساً للخلف، ولكن الذي نراه أن القوس ينقلب مع تحديق الناس في هواتفهم لساعات كل يوم». ويضيف العتوم: «يزن الرأس عندما يكون في وضع أفقي، بين 2 إلى 2.5 كيلو جرام، لكن عندما يميل العنق بزاوية 15 درجة، يشعر الإنسان بوزن رأسه يزيد على 12 كيلو جراماً، مما يزيد الضغط على العمود الفقري مع مَيْل العنق بزوايا أكبر».

وصايا لاستخدام الهواتف

يوصي الدكتور علي العتوم مستخدمي الهواتف الذكية، كي لا تتأثر صحتهم، بـ: وضع الهاتف المحمول أمام الوجه عند مستوى العين أثناء كتابة الرسائل النصية، استخدام كلتا اليدين لضبط وضع الجسم ليكون موزوناً وأكثر ارتياحاً عند استخدام الهاتف أو لوحة الكمبيوتر، أخذ استراحات متكررة أثناء استخدام الهاتف المحمول، أو ممارسة بعض التمارين التي تقوّي عضلات الرقبة والكتفين أثناء العمل.

60% من نساء العالم مرتبطات بهواتفهن

أظهرت دراسة عالمية حديثة، تبعاً للمدرب والمحاضر ومستشار الإعلام المجتمعي، حسن الحلبي، أن 60% من سيدات العالم لا يستطعن الاستغناء عن هواتفهن الذكية، في الوقت الذي يعتبرن أن أجهزتهن الذكية أهم مقتنياتهن، مقابل 43% من الرجال الذين أكدوا أيضاً عدم تمكنهم من فك ارتباطهم بالأجهزة الذكية، بينما يميل الرجال بنسبة أكبر إلى اقتناء أكثر من هاتف. ويوضح الحلبي: «بيّنت دراسة حديثة، أجرتها وكالة «نيونانس للإعلام» والتسويق الرقمي، أن السيدات أكثر ارتباطاً وإدماناً لهواتفهن الذكية من الرجال، حيث تجد النساء في الهاتف المحمول وسيلة حيوية لتمرير الوقت الذي تعاني طوله ورتابته، خاصة بالنسبة إلى ربة المنزل، إضافة إلى الانشغال بمتاعب الحياة وعدم القدرة على التواصل مع الأهل والأصدقاء بشكل دائم في الواقع الحقيقي، مما يجعل من برامج وتطبيقات الهواتف الذكية وسيلة سهلة تساعد على التواصل بشكل دائم مع الآخرين».