شُخّصت حالتها: نقص في الحديد. وقيل لها: أكثري من تناول ثمار البحر من حَبّار، مَحَار، أخطبوط البحر، ومن الفاصولياء، السبانخ، الزنجبيل، السمسم والعدس. لكن هل هذا يكفي؟ وماذا لو استمرت معاناتها مع نقص الحديد؟ ماذا لو كان جسمها لا يمتص الحديد؟

هل سألتِ نفسك: لماذا يتساقط شعري بهذه الكمية؟ هل سألتَ نفسك: لماذا أتعب بهذا القدر كلما تسلقت طابقين أو ثلاثة؟ هل سألتُم أنفسكم: لماذا يفشل أطفالنا في التركيز على دروسهم؟
نقص الحديد قد يكون سبباً فلا تتجاهلوه.

الحديد عنصر أساسي للجسم، وهو ضروري للصحة النفسية والبدنية ولضمان معدلات عالية من الطاقة. وإذا كان السبب الأساسي في نقص الحديد يعود لسوء التغذية، فإن أسباباً أخرى يجب ألا تغيب عن البال، لأن المشكلة الأساسية قد تكون كامنة فيها. لذا، لا تغفلوا طرح السؤال على أنفسكم: لماذا نُصاب بنقص الحديد؟

30% من سكان العالم

المتخصص في أمراض الدم، مدير «مركز نايف باسيل للسرطان» بالجامعة الأميركية في بيروت، الدكتور علي طاهر، شرح الموضوع من الألف إلى الحاضر، لافتاً إلى «أن نحو 30% من سكان العالم يعانون مشكلة نقص الحديد الذي قد يسبب حالات كثيرة بـ«فقر الدم». النسبة طبعاً عالية، لذا فإن فَهْم طبيعة المشكلة أمر ضروري لا يحتمل التجاهل.
فنقص الحديد ينتشر في العالم كافة، في الدول المتقدمة والنامية، مما يعني أن السبب لا يكون دائماً سوء التغذية بل يتأتَّى عن أسباب عديدة، بينها أن يكون الإنسان مصاباً بقصور في عضلة القلب، أو بمشاكل في الكلى، أو سبق أن خضع لعملية تكميم معدة، أو يعاني مشاكل في الجهاز الهضمي.. فالأشخاص الذين يعانون هذه الحالات يواجهون في الأغلب حالات نقص الحديد.

خزان الحديد

لشرح أدق، يشبّه الدكتور علي طاهر الجسم بخزّان مليء بالحديد، ومهمته منح المادة إلى الكريات الحمراء، التي تعزز وجود الأكسجين في الجسم وخصوصاً في الدماغ، وأي خلل فيه يؤدي إلى الشعور بالتعب وتشوّش الدماغ، ولا يعود المرء قادراً على القيام بالإنتاجية نفسها. حال هذا الخزان عند من يعانون نقصاً في الحديد، إما أن يكون فارغاً كلياً بسبب العادة الشهرية عند النساء، أو سوء التغذية عند الأطفال، أو حالات الحمل، أو قد يكون مليئاً. لكن الجسم يعجز عن استعمال الحديد الموجود بسبب ما سبق أن قلناه من وجود قصور في القلب وكسل في الكلى. وفي هذا الإطار يقول د.طاهر: «هناك أجسام لا تمتص الحديد، وهناك أجسام تحتاج إلى حديد مضاعف مثل النساء الحوامل. لهذا، يُعتبر فحص نسبة الحديد وحده غير كافٍ، بل يُفترض على الطبيب أن يجري فحوصاً إضافية، إذا تأكد أن العوارض التي يشعر بها مريضه لا تمتّ بصلة إلى وجود مرض آخر ما، وكان خزّان الحديد لديه ملآن.. فواجب الطبيب في هذه الحالة البحث عن أسباب عدم قدرة الجسم على امتصاص الحديد».

90% من النساء الحوامل

ممنوع أن نرى شعرنا يتساقط وأظفارنا تعاني مشاكل، ولدينا تعب مُزمن ونمر بحالات من الكآبة والإحباط، من دون أن نسأل أنفسنا: هل نُعاني نقصاً في الحديد؟
ترتفع في منطقتنا العربية حالات نقص الحديد، وهي تزيد على الحالات الموجودة حتى في الدول النامية التي يعاني سكانها سوءاً في التغذية، وفي النسب: ثلث سكان العالم يعانون نقصاً في الحديد، بينهم 10% في البلدان المتحضرة، 33% من النساء تحت سن الـ50 يعانون أيضاً، ونحو 90% من النساء الحوامل، و50% من الأطفال. ألا تجعل هذه النسب المرتفعة الناس يأخذون نقص الحديد على محمَل الجدّ؟
يهم جداً أن يصل الأكسجين إلى أدمغتنا كي لا نشعر بالتعب، الوهن، القلق والتشوش، لكن لن يصل هذا الأكسجين بشكل كافٍ إذا كنا نعاني عَوَزاً في الحديد. ولا يكفي أن نتناول ثمار البحر، العدس، الفول والسبانخ لنُعيد ملء الخزان، بل قد نحتاج أحياناً إلى مكمّلات الحديد التي قد تسبب أحياناً أعراضاً جانبية، بينها اضطرابات في الجهاز الهضمي، حالات إسهال وشعور بالامتلاء وعدم الراحة.
يتحدث د.طاهر عن علاج بطريقتين: إما دواء عبر الفم يتناوله الأشخاص الذين لا يعانون مشاكل في الامتصاص، أو دواء في الوريد، يوصف للأشخاص الذين يعانون قصوراً في القلب، أو خضعوا لعملية جراحية. ويستطرد الدكتور علي طاهر مُختتماً بالقول: «مُهم كثيراً معالجة المشكلة وعدم إهمالها، ومهمّ جداً على كل طبيب يُخبره مريضه بأنه تعب، يعاني، أن يجري له الفحوص كافة التي تؤشر ليس إلى امتلاء خزان جسمه بالحديد فقط، بل مدى امتصاص جسمه للحديد الموجود».
إذن، لا تتساهلوا مع هذه المشكلة الصحية أبداً، لأن وجود الحديد في الجسم يختلف كثيراً عن عَوَز الجسم له.

إشارات مقلقة

ثمة أعراض تؤشر إلى نقص في الحديد لا تتجاهلوها:
• ضعف عام.
• تعب مستمر وحالات إعياء.
• دوَار.
• صداع متكرر في الرأس.
• شحوب الجلد ومشاكل في الأظفار وبرودة في الأطراف.
• تساقط الشعر.
• التهاب اللسان.
• ضيق متكرر في التنفس.